فاجأ رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، الأصدقاء والأعداء في آن معاً، بموافقته على تأليف حكومة ائتلافية جديدة، بمشاركة حزب الله، باعتباره حزباً سياسياً، صحيح أن أفراداً قياديين من هذا الحزب، متهمون بقتل والده، ومطلوبون للمحكمة الدولية المعنية بمعاقبة الجناة، غير أن الحريري الإبن فصل بين الحالتين، وشدّد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، رغم فرضية أنهم هم من ارتكبوا الجرائم، لأنه يرى أن هذا حزب سياسي، لديه تحالف كبير مع التيار الوطني الحر وآخرين، ويؤكد أن تياره يحاول أن يحكم البلد مع الجميع، ولا يريد أن يبقى أحد خارجاً، لأن لبنان يمر في فترة صعبة، وخاصة بعدما فشل المجتمع الدولي فشلاً ذريعاً في القضية السورية، وشدد في موقف، بدا أخلاقياً ووطنياً، أن لا خطوط حمراء، بل ما تمليه احتياجات البلاد للاستقرار، وتشكيل حكومة تمام سلام الذي تأخر تسعة أشهر أمر جيد للبنان واستقراره.
موقف الحريري كما ينبغي القول، جاء نتيجة توافق غربي سعودي إيراني، على فصل مسار الأزمة السورية عن الوضع اللبناني، حيث صار معروفاً ارتهان قواه السياسية للخارج، الذي بات مقتنعاً اليوم بعدم جدوى تصعيد الصراع في لبنان، إلى درجة المجابهة الشاملة على شكل حرب أهلية، وترك التفاصيل لحرتقات السياسيين، وجهودهم التي ستنصب من الآن فصاعداً على محاولة تحسين مواقعهم، والتقليل من خسائرهم، الناجمة عن مواقف بات واضحاً اليوم، أنها كانت متصلبة أكثر من طاقة بلد الأرز على الاحتمال، والحيلولة دون وقوع المزيد من الخسائر نتيجة العلاقات المختلة بين قواه السياسية، نتيجة البقاء ضمن الدائرة الجهنمية للمحاصصة الطائفية، التي ولدت مناخات تسير على هدي الفئوية، القادرة بجدارة على الإمعان في شرذمة البلد، وإضعاف سلطة الدولة المركزية، لصالح الدويلات التي تنمو على حساب الوطن، والمواطن المغلوب على أمره، والواقع تحت ضغط هذا الواقع المرير، الذي سيقود إلى تشكيل حكومة ائتلافية، تتولى عملياً تقاسم السلطة ومكتسباتها، دون أن تلتفت لمعالجة الأزمة الوجودية، التي تعصف بلبنان وأهله.
فيما يقدر مناوئو الحريري خطوته، ويرون أن على الحكومة المنتظرة، أن تعمل على بدء حوار وطني، كونها تضم الفرقاء كافة، وبما يعني أنها بشكل من الأشكال حكومة وحدة وطنية، يجب أن تسهم في تمرير الاستحقاق الرئاسي بهدوء، فإنه في المقابل سادت حالة من الارتباك صفوف فريق 14 آذار، وأدت إلى موقفين متباينين، وإذا كانا يجتمعان على رفض ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، التي يتمسك بها حزب الله وجماعة 8 آذار، فإنهما يختلفان على تفاصيل البيان الوزاري، وما إن كان واجباً الاتفاق عليه قبل التشكيل أوبعده، كذلك الموقف من انسحاب حزب الله من الحرب السورية، التي امتد لهيبها إلى أكثر من موقع في لبنان، واللافت في هذا الإطار أن القوى المسيحية، سواء أكانت مع الحريري أم ضده، لم تعلن موقفها من خطوته، وربما عاد ذلك إلى طموح سمير جعجع والجنرال عون، بالوصول إلى الموقع الرئاسي، وقد بات موعد استحقاقه على الأبواب.
مهم هنا انتظار موقف القوى الإسلامية أو التكفيرية، التي تقاتل النظام السوري، وهي نقلت بعض معركتها إلى الساحة اللبنانية، على خلفية موقف حزب الله المؤيد لنظام الأسد، وليس معروفاً إن كان تشكيل حكومة لبنانية، مرضي عنها من القوى الدولية والإقليمية كافةً، سيكف أذى هذه الجماعات عن لبنان، المحتاج فعلاً إلى فترة لالتقاط الأنفاس.
الحريري وحكومة مع حزب الله
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2014: 09:01 م