TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > كوركيس عواد ماذا يقول عن بغداد؟

كوركيس عواد ماذا يقول عن بغداد؟

نشر في: 15 نوفمبر, 2009: 03:49 م

حين دخلت دار المعلمين الابتدائية ببغداد في اواخر عام 1922، جئتها من الموصل، قاطعا شطرا من الطريق بالسيارة، وهو الممتد بين الموصل والشرقاط، فاستغرقت سفرتنا هذه نحوا من ثماني ساعات، لاقينا خلالها الامرين لوعورة الطريق ورداءته فهذا الذي قطعناه من الموصل الى الشرقاط كان غير مبلط والسيارة في ذلك الحين، اعني قبل خمس وستين سنة، كانت حسب المألوف انذاك، بطيئة السير
 متخلخلة وبعد ان وصلنا الشرقاط ركبنا القطار الى بغداد، فاستغرق سفرنا فيه نحوا من اثنتي عشرة ساعة. كانت بغدد في ذلك الحين مدينة مختلفة صغيرة الرقعة رثة المنظر، ذات بنايات زرية وليست فيها طرق معبدة ذات ارصفة ولم يكن فيها يومذاك غير شارع واحد هو (شارع الرشيد) الذي كان كثير الالتواءات فضلا عن كونه يضيق تارة، ويتسع تارة اخرى. لقد كان الجانب الشرقي من بغداد وهو المعروف بجانب الرصافة، صغيرا محدود الرقعة فهو يبدأ شمالا من منطقة الميدان وينتهي جنوبا بالقرب من محلة (السنك) وكان نهر دجلة يحد الرصافة غربا اما من الشرق فكان ينتهي عند ما نسميه اليوم بشارع (الخلفاء) او مابعده بقليل. هذا مايتعلق بجانب الرصافة اما جانب الكرخ فكان اسوأ حظا من الرصافة اذ ان الوصول من الجسر العتيق الى منطقة الصالحية وهي كانت اقصى ما في هذا الجانب غربا كان محفوفا بالاهوال، لكثرة مافيه من اتربة واوحال وحفر واخاديد، واذا قلنا (الصالحية) فاننا نقصد بها تلك الساحة التي شيدت عليها بعد عشرات السنين بناية كل من المتحف العراقي.. والمؤسسة العامة للاثار والتراث. وما قلناه عن ساحة (الصالحية) في وسعنا ان نعممه على جميع انحاء بغداد، سواء اكانت في جانب الكرخ ام في جانب الرصافة. فلم تكن حينذاك في مدينة بغداد، طرق وشوارع مبلطة ولاعمارات تستحق الذكر اللهم بعض الجوامع والمساجد ذوات الطابع المعماري الآثاري كجامع مرجان، وجامع الشيخ عبدالقارد الكيلاني، وجامع الحيدرخانة، ونحوها، ومما اذكره في هذا السبيل، ان (الكاظمية) كانت تمتد بينها وبين الجانب الغربي من بغداد اراض زراعية وبساتين ولم تكن هنالك طرق بل كان يتم الوصول من احداهما الى الاخرى، بمركبات (كاريات) تسير فوق سكة حديد ويجر الواحدة منها حصانان. اما (الجسور) التي كانت توصل مابين جانبي الكرخ والرصافة من بغداد فقد كان في بغداد يومذاك جسران خشبيان عائمان احدهما الشمالي ويعرف بالجسر العتيق، وثانيهما جسر مود وقد انشئ هذا الاخير بعد الاحتلال البريطاني للعراق، وسمي باسم الجنرال مود القائد الانكليزي وكان كلا الجسرين يقطعان في ضحى كل يوم، ليتسنى للسفن البخارية والخشبية (المهيلات) السير في النهر. كانت مواد البناء المستعملة يومذاك في بغداد الطابوق واللبن والجص والخشب والحصران والطين والزفت، اما الحديد (الشيلمان) و(الشيش) والسمنت والكاشي فقلما كانت تستعمل بل لم تكن معروفة!. لقد اتسعت بغداد اليوم عما كانت عليه في اوائل العشرينيات من هذا القرن، حتى باتت المقارنة بين بغداد اليوم اي في سنة 1987، وبين بغدا الامس اعني في سنة 1923، امرا متعذرا فما اعظم الفارق بين ماكانت عليه في اوائل العشرينيات وبين ماهي عليه اليوم! لقد اتسعت الرقعة التي تشغلها بغداد الحديثة، اتساعا مذهلا عما كانت عليه بالامس فاصبح طولها الممتد في محاذاة نهر دجلة الذي يجري في وسطها، عشرات الكيلومترات، كما اصبح عرضها بمثل هذا المقدار من الكيلومترات. واننا لنرى في بغداد اليوم، مايباهى به من العمارات واسعة الرقعة، شاهقة الارتفاع، وقوام كل عمارة طوابق متعددة كل ذلك مشيد ببناء رصين وفق احدث فنون البناء. دع عنك ما يتخلل هذه المباني من طرق معبدة، وخطوط سريعة وحدائق جميلة وتشجير هذا الى ماهنالك من ساحات وانفاق وجسور، ومتاحف وكليات وجامعات وملاعب وسينمات واسواق ومعارض ومطارات، وفنادق، ومعامل ومصانع، وغير ذلك من وسائل العمران التي يتعذر علينا التنويه بها جميعا في مثل هذه العجالة. وما يمكن القول في مثل هذه النبذة ان مدينة بغداد اليوم، هي غير ماكانت عليه بالامس فهي والحق يقال في نمو وتقدم وازدهار. يوما بعد آخر.. مجلة الف باء تشرين الثاني 1974

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram