محمود هادي العبوسي للذكريات طعم خاص وخاصة عندما يتحدث عنها اصحاب الذاكرة والذين يؤرخون جانبا من حياتهم الخاصة او حياة مدينتهم التي يعتزون بها واليوم يتحدث شاهد من اهلها.. انها مناسبة للذكرى ومناسبة للحديث عن الماضي الجميل للمدينة الجميلة.
السيد امين المميز يعود بنا من خلال هذا الحوار الذي استذكر فيه بغداد القديمة كيف كانت وكيف عاش البغداديون فيها.. *الاستاذ امين المميز: انت من قدامى البغداديين، فهل لك ان تحدثنا عن النواحي الاجتماعية في بغداد ايام زمان؟ -الحياة الاجتماعية في بغداد كانت محدودة الى ابعد الحدود والمجتمع البغدادي كان مقيدا بالتقاليد الاجتماعية والاعتبارات الدينية وان مجال التحرر منها كان ضيقا جدا، والحياة الاجتماعية كانت مقتصرة على ارتياد المجالس الخاصة والمقاهي والمساجد والمناسبات الشعبية التي تقام في الايام المخصصة لها، وهي مناسبات ترفيهية للرجال والنساء والاطفال على السواء فلم يكن في بغداد الامس مايشبه (مدينة الالعاب او جزيرة بغداد السياحية او جزيرة الاعراس ولا متنزه كالزوراء) بل كانت عندنا ايام المدائن وسيد ادريس ورابعة بنت جميل وباجلة الصرافية وبستان الخس كما لم يكن عندنا مذياع ولاتلفاز ولاترانسيستور ولافديو، بل كنا نقضي الامسيات حول (القره كوز) والفوتوغراف وارتياد مقاهي القصخون ثم جاءت الدونبلة فصرنا نتسلى بها والتي كان يديرها المرحوم صالح الجنابي في عدد من مقاهي بغداد ان مقاهي بغداد القديمة كانت تركز الحياة الاجتماعية للرجال وكانت بمثابة النواب الليلة التي تشاهد اليوم.. ولذا كثر عددها حتى اصبح في كل محلة من محلات بغداد (كهوة) تعرف بكهوة الطرف غير ان بعض المقاهي قد اشتهر اكثر من غيرها ومنها، في جانب الرصافة.. كهوة شكر.. وكهوة المميز.. وكهوة حمام المالح، وكهوة الوقف، وكهوة البلدية، وكهوة عزاوي.. وكهوة ملا حمادي في المربعة.. وكهوة البقجة في الميدان.. وكهوة جامع الخفاجي وكهوة الشط وكهوة المصبغة وكهوة مليكة في الصدرية.. وكهوة حوري في الفضل وكهوة حسن عجمي.. وكهوة امين وكهوة الزهاوي حاليا وقرب المستنصرية كهوة عبود.. وكهوة عارف آغا.. وكهوة البرلمان،، وكهوة البرازيلية.. والشابندر مقابل سوق السراي وكهوة ابراهيم عرب في الكرنتينة.. وحجازي في الاعظمية وكهوة العبد في الباب الشرقي خلف مدرسة الراهبات.. اما في جانب الكرخ فقد اشتهرت كهوة العكامة.. وكهوة الكاريات.. وكهوة المميز (المملكة) وكهوة البيروتي وكهاوي عكيل.. وكهاوي الطرف الاخرى.. التي لاتحضرني اسماؤها!. *وماذا عن التعليم في تلك الايام؟. -الناحية التعليمية لبغدد الامس مفجعة فقد كان التعليم مقتصرا على الكتاتيب بالنسبة للذكور وعلى مايسمى (الاستة) او (الخوجة) بالنسبة للاناث حيث يدرس فيها القران الكريم وكتابة الخط بالنسبة للذكور والخياطة بالنسبة للاناث ولا اكثر من ذلك. وفي اواخر العهد العثماني اسست مدارس اعلى من الكتاتيب كمدرسة السلطاني ومكتب الاعدادي الملكي والاعدادي العسكري ومدرسة الحقوق ومدرسة المهنية وهي مدرسة الصنائع اما مدارس العسكرية العليا فكانت في اسطنبول وعلى الذين يريدون اكمال دراساتهم العليا سواء العسكرية ام المدنية فعليهم ان يشدوا الرحال الى هناك في رحلة قد تستغرق عدة اشهر. *والناحية الاقتصادية؟ -لا ادري ماذا تقصد بالناحية الاقتصادية؟ فاذا كان ما تقصده هو الغنى والفقر في بغداد ايام زمان فذلك لايتقصر على العراق وحده بل يطول جميع البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني وفي اواخر الحرب العالمية الاولى كنا نحمل الليرات التركية (بالعلاليك) لنشتري بها بعض المواد الغذائية الرخيصة جراء التضخم وهبوط الليرة الورقية وبعد الاحتلال البريطاني لم يكن الوضع الاقتصادي افضل مما كان عليه ابان الحكم العثماني سوى ان الروبية الهندية قد حلت محل الليرة التركية. واما اذا كنت تقصد بالناحية الاقتصادية ما يتعلق بشؤون المواطنين من كسب وبيع وشراء او تجارة او اعمال حرفية او ماشاكل ذلك من وسائل كسب الرزق فان الامر يختلف تماما بين اليوم وبين ماكان عليه الوضع ابان العهد العثماني فلم يكن في ذلك العهد من ضرائب سوى ضريبة العقار التي تسمى الويركو وهي العشر من بدل الايجار او ضريبة الاستهلاك وهي العشر ايضا من بيع الحاصلات الزراعية على اختلاف انواعها، وكان هنالك نظام البدل للاعفاء من الخدمة العسكرية، ولاتوجد يومئذ ضريبة عقار اساسية واضرب لك مثلا عن كيفية تملك العقار ايام زمان. لقد اشترى احد الاجداد دارا في بغداد سنة 1208 هجرية اي قبل اكثر من مئتي سنة وكل ماكان على البائع والمشتري ان يفعلاه هو الحضور امام الجهة الشرعية الرسمية لتثبت اوصاف وموقع العقار وبدل البيع والايجار ويستحصلا قرارا شرعيا بذلك ويشهدا عليه عددا من الشهود من الوجهاء ورجال الدين فيبصمون مهورهم او يوقعون على تلك الوثيقة التي تعد سند الملكية، وينتهي الامر.. *هل لك ان تنورنا عن المعالم الشهيرة التي كانت قائمة في بغداد الامس؟. -اشكرك على هذا السؤال لافساح المجال لي لبث مافي قلبي من هموم حول المعالم التراثية التي ازيلت والتي اتمنى اعادتها والحفاظ عليها كتراث بغدادي اصيل. ان اول
في حوار اجري معه اخر ايام حياته.. عاشق بغداد يتحدث عنها
نشر في: 15 نوفمبر, 2009: 03:51 م