لقد لوحظ أن الجرائم التي يرتكبها ضعاف العقول تختلف عن تلك التي يرتكبها الأذكياء حيث لوحظ أن هناك فروقاً نوعية في الجرائم بين الأذكياء والأغبياء لدرجة أن هناك من يميز بين جرائم الأذكياء وجرائم الأغبياء في جرائم النصب والاحتيال والتزوير والتزييف والتآم

لقد لوحظ أن الجرائم التي يرتكبها ضعاف العقول تختلف عن تلك التي يرتكبها الأذكياء حيث لوحظ أن هناك فروقاً نوعية في الجرائم بين الأذكياء والأغبياء لدرجة أن هناك من يميز بين جرائم الأذكياء وجرائم الأغبياء في جرائم النصب والاحتيال والتزوير والتزييف والتآمر ضد الدولة والجرائم الاقتصادية ،كالرشوة والاختلاس والترابح والجرائم السياسية وجرائم التجسس والتخابر مع جهات أجنبية والتهرب الضريبي والجرائم المنظمة أو الجرائم الكبرى، ذلك أن الإتيان بها يتطلب قدراً كبيراً من الذكاء ومن القدرة على الاحتيال والتخطيط والتدبير0

أما جرائم الأغبياء فلا تحتاج إلى قدر كبير من الذكاء من ذلك جرائم التسول والتشرد والحريق العمد والنشل وبعض الجرائم الأخلاقية ،كالفعل العلني الفاضح واغتصاب الأطفال والحيوانات وقتل الوالدان وكشف العورة والسرقات البسيطة وترويج المخدرات0 وهناك رأي مؤداه أن جميع المجرمين تقريباً هم من ضعاف العقول ، وأنهم لا يدركون عواقب الأمور ولا يفهمون العقوبات المحتملة لأعمالهم ، وأن الضعف العقلي يؤثر في كافة أنماط سلوك الإنسان ومنها بالطبع السلوك الإجرامي ،فلقد لاحظ البعض انخفاض المستوى العقلي لدى جميع المجرمين0
ولقد ظل كثير من علماء الإجرام والطب وعلم النفس يعتقدون لمدة طويلة أن انخفاض الذكاء عامل أساسي في ارتكاب الجريمة ،وعلى سبيل المثال: ( جوادا رد) 1920 م في كتابه ( الكفاءة الإنسانية ومستويات الذكاء) يذهب إلى القول بأن جميع البحوث التي أجريت على عقليات المجرمين والأحداث ومرتكبي الجنح وغيرهم من الجماعات المضادة للمجتمع لها ذكاء منخفض 0 وذهب إلى القول بان أهم الأسباب في جنوح الأحداث وفي الجريمة هي انخفاض مستوى الذكاء ،فمعظم هؤلاء المجرمين من ضعاف العقول ولكن مثل هذا الرأي مبالغ فيه ،فهناك كثير من الدراسات التي أوضحت أن ذكاء الطوائف المضادة للمجتمع يقترب من الذكاء العام في المجتمع كله0
وعلى الرغم من أن كثيرا من الدراسات توضح أن أفراد مجتمع السجناء تنخفض نسبة ذكائهم عن متوسط الذكاء العادي بالنسبة لأفراد المجتمع ولكن الواقع أن هناك بعض المجرمين الأذكياء الذين لا نلاحظهم داخل مجتمع السجن وان الأشخاص الأكثر ذكاء يكونون أكثر قدرة على الدفاع عن أنفسهم في قاعات المحاكم ومن ثم لا يحكم عليهم بالإدانة ولا يدخلون السجن 0

إسهامات العلم في تحقيق العدالة:
وفي مجال العلاقة بين الجريمة والذكاء يسعى علماء النفس لتطبيق مبادئ علم النفس على عملية وضع القوانين بحيث تتناسب مع القيم النفسية لبناء المجتمع وكذلك لتنفيذ أحكام القانون إلى جانب دراسة محتوى شهادات شهود العين وعلاج المجرمين أو المنحرفين والأحداث الجانحين ، ولهذا العلم مستقبل واعد في هذا المجال الحيوي من حياتنا المعاصرة وتتم دراسة الشهادة والأدلة الجنائية .ولقد بدأت هذه الحركة في وقت مبكر من القرن الميلادي الماضي حيث أصدر هيجو منستربج كتاباً أسماه( موقف الشاهد) في عام 1908 وأظهرت مثل هذه الدراسات العلمية أن الاعتماد الكلي على شهادات شهود العيان في المحاكمة الجنائية قد يؤدي إلى هدر العدالة ذلك لأن الدراسة العلمية أوضحت ان عملية الإدراك الحسي وكذلك عملية التذكر أو الاسترجاع يشوبها كثير من الأخطاء وعدم الدقة حتى مع توفر الأمانة مع الشاهد وعدم تعمده للكذب أو تضليل العدالة ،ولقد لاحظ أحد أساتذة القانون الأمريكيين منذ عهد بعيد 1932 م مدى بطلان شهادة شهود العيان وذلك بجمع مئات القضايا التي قضى فيها بالإدانة على أناس أبرياء وصدرت ضدهم الأحكام تأسيساً على شهادة شهود العيان0 والأدلة القولية مشكوك في صحتها خلافاً للأدلة المادية كالبصمات أو تحليل فصيلة الدم، وفي الأيام الأخيرة طالعتنا الصحف بقضاء أربعة أشخا ص عشر سنوات في السجن عن قتل أربعة أفراد تبين أن قاتلهم شخص آخر أنّبه ضميره فاعترف بذلك بعد أن قضى هؤلاء الأبرياء عدة سنوات خلف القضبان 0 ويدرس علماء النفس سمات شخصية المجرمين ومدى إمكانية عودتهم إلى مظلة المجتمع السوي ،من ذلك ما لاحظه بعض العلماء من وجود علاقة بين الذكاء والنزعة للإجرام يلاحظ أن هناك ارتباط نسبة الذكاء بجرائم العنف مثل:
1- القتل0
2- الضرب المفضي إلى الموت0
3- الجرائم الجنسية ،كالاغتصاب أو هتك العرض 0
كما لوحظ ارتفاع نسبة الذكاء لدى مرتكبي جرائم تتطلب قدراً أعلى من الذكاء مثل التزييف والاختلاس.
ولكن هذا التفسير يحتاج إلى كثير من التدقيق ، ذلك لأن المجرم الأكثر ذكاء يستطيع أن يفلت من القبض عليه أو اكتشافه وقد يقضي عليه بالعقوبة مع الإيقاف كذلك فإن جريمة الاختلاس لا تتوفر إلا للأفراد الأكثر ذكاء الذين يشغلون وظائف حكومية تسمح لهم بإيداع أشياء قيمة أو أموال كثيرة في عهدتهم فيقومون باختلاسها أو سرقتها ومعاملة المسروقات معاملة الملكية الخاصة للمختلس0
وتدل دراسة الأحداث الجانحين على أن التخلف العقلي ليس هو السبب الرئيس في ارتكاب الجرائم حيث يتسع مدى الذكاء العام بينهم وبين هذه الفئة ويقترب من ذكاء الأسوياء0
وعلى أية حال فإن العلاقة بين الذكاء العام وبين الجريمة ليست قاطعة وهناك فروق نوعية في الجريمة التي يرتكبها مرتفعو الذكاء وتلك التي يرتكبها ضعفاء الذكاء 0
اختلاف نوعية النشاط الإجرامي باختلاف الذكاء:
النشاط الإجرامي يختلف باختلاف الذكاء كما أن ذكاء الأفراد يختلف باختلاف المهن التي يعملون فيها، فذكاء مديري المؤسسات ورؤساء المصالح يختلف عن ذكاء باعة الصحف .ولقد كان لمقاييس الذكاء واختباراته الفضل في تنفيذ الرأي القائل بأن الضعف العقلي أهم عوامل ارتكاب الجريمة ووضحت هذه المقاييس أن الجريمة قد يرتكبها أي من أصحاب المستويات المختلفة من الذكاء 0 ولقد تبين أن من السهل استغلال الذكور من ضعاف العقول في أعمال النشل والسرقات البسيطة والإناث في ممارسة الدعارة وذلك عندما يستغلهم ضعفاء النفوس وعديمو القيم الأخلاقية0

الذكاء وحسن الخلق:
ولقد تساءل كثير من العلماء هل يتحتم أن يكون الشخص الذكي حسن الأخلاق ؟
إن الشخص الذكي أقدر على التبصر في عواقب سلوكه عن غير الذكي وقد يسهم في تحديد السلوك إلى جانب الذكاء قيم الفرد ومثله ومعاييره وأخلاقياته وشعوره ولا شعوره وماضيه وخبراته وطبقاته الاجتماعية ومستوى تعليمه وقدراته على ضبط النفس والتحكم في سلوكه وفي انفعالاته ومقاومته الإغراء مع القدرة على التمييز بين النافع والضار وبين المباح والمحظور والحلال والحرام والصواب والخطأ ،وقد يعجز عن ذلك وعن ضبط اندفاعه أو عن ممارسة ضبطه الذاتي ،بل قد يكون الذكاء عوناً على التمويه والتعمية وإخفاء معالم الجريمة ، فالذكاء يزود الفرد بالوسائل التي يستخدمها في الجريمة ولكنه لا يزوده بالدوافع التي تحركه، لذلك فالذكاء يوجه ويرشد ولكنه لا يدفع ولا يحفز، فهو يرشد اللص إلى أفضل الطرق للسرقة ،فالذكاء شرط ضروري لاستقامة السلوك ولكنه وحده شرط غير كاف .