TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > الاثاري الراحل بشير فرنسيس: كيف رأيت الآثار في بغداد؟

الاثاري الراحل بشير فرنسيس: كيف رأيت الآثار في بغداد؟

نشر في: 15 نوفمبر, 2009: 03:55 م

ان ماحل في بغداد، المدينة والعاصمة، وما اصابها من تبدل وتغيير خلال تاريخها الطويل قل ان نشاهد مثيلا له في مدن اخرى تضاهيها في الكبر وعظمة الجاه وعلو المنزلة فقد شيد الخليفة المنصور مدينة السلام المدورة، لتكون عاصمة الدولة العباسية في منطقة كانت تنتشر فيها منذ ازمان بعيدة القرى المزدهرة والبساتين المثمرة والزراعة الخصبة اليانعة
ولاعجب في ذلك لان هذه البقعة المحصورة بين النهرين العظيمين والتي تتخللها الانهار الاخذة منهما كانت تزدحم بالناس لما توفره لهم اراضيهم المعطاء من اسباب العيش الرغيد. وما تمدهم به من خير عميم. كانت من جملة القرى في هذه المنطقة بلدة صغيرة اشبه بالقرية تسمى (بغداد) في الزمن القديم وشاع هذا الاسم حتى شمل بعدئذ مدينة المنصور، ثم صار هذا الاسم يطلق على عاصمة بني العباس حين امتد عمرانها على جانبي نهر دجلة، وقد اصبحت بمرور الايام مدينة عظيمة الثراء هائلة القوة واسعة العمران تكثر فيها القصور وتزهو البساتين والحقول وتكتظ بالدور والاسواق. ولم يبق الخلفاء وولاة عهودهم او وزراؤهم وقوادهم وكبار القوم شيئا سمعوا بجماله وحسنه وابداعه الا وادخلوه في القصور التي شيدوها او المساجد والمدارس والمارستانات التي انشأوها ولكننا اليوم لانعثر الا على النزر اليسير من الابنية التذكارية والجوامع الشهيرة، ذلك ان هذه المدينة العظيمة تراجعت القهقرى قوة وعمرانا وتتدنى الى درجة مثيرة من الضعف والفقر. كانت بغداد منذ تأسيسها سنة 145هـ والى ان احتلها المغول سنة 656هـ (1258م) وخلال حياتها الغنية بالاحداث وفي ايام عزها وسيادتها القلب النابض للعالم المتمدن من شرقه الى غربه ومركزا عالميا للدين وعاصمة عظيمة مهيبة للخلافة والدولة العباسية. ثم تعاقبت عليها النوائب والمحن وتوالت عليها الكوارث فاذا بها ليست اكثر من عاصمة اقليمية للمغول ومن جاء بعدهم من الحكام الغرباء، ثم امست اخيرا مقرا وكرسيا للولاة العثمانيين، ولكن مع كل ذلك، حافظت هذه المدينة الحية على خصائصها المتميزة وصفاتها الجميلة الناطقة بماضيها الساحر ومجدها العابر وسيادتها الغابرة ومن المفارقات الغريبة ان يكون تاريخ مدينة السلام وقصة مسيرتها في الحياة، قصة حروب تكاد تكون متواصلة ومنازعات وثورات اهلية، دع عنك ماكان يصيبها من اوبئة او يحل فيها من مجاعات، ولاشك في ان هذا كله هو بخلاف ماكان يؤمله مؤسسها، ونقيض ما كان يتمناه لها وهو يضفي عليها صفة (السلام).. ان بغداد في الواقع من احسن الامثلة التي تضرب على تغير المدن، وعلى اثر العوامل الطبيعية والبشرية في زوال العمران واندراس الاثار فقد تضافرت على بغداد كوارث الطبيعة ويد الانسان فقضت على المعالم وقوضت ابنيتها الفخمة وذهبت بجمالها، فان طغيان دجلة في كثير من السنين غرق محلاتها المأهولة وبساتينها الغناء، وما احدثته نيران الحرائق والحرب والفتن من تدمير وتخريب، ازال الاثار وطمس معظم معالمها واضاع خططها، ولم يسلم الا القليل من تلك الابنية بل ان ماسلم من هذه الابنية صار نهبا مقسما بين الاهمال والاطماع مما زاد في تصدع جوانبه وتشويه بنيانه ومنظره وضياع بعض اقسامه ولكن مابقي من الاجزاء خير دليل على مابلغته الريازة في العصر العباسي من تقدم ورقي، وما توصل اليه اهل العراق من شأو رفيع في الفن والصناعة ولاسيما في الزخرفة والنقش والخط وما الى ذلك من فنون. ودارت الايام دورتها وعادت بغداد الى حكم اهلها، وآلت امورها الى ابناء البلاد، وتسلمت الايدي الوطنية ادارة شؤونها ومنها الاثار فما كان ممن صار له القرار الا المبادرة الى بذل ما في الوسع من جهد ونشاط لانقاذ البقية الباقية من مآثر الاجداد والمحافظة على ماسلم من معالم رقيهم الفني والعمراني. فوضعت الخطط اللازمة للسير عليها في ترميم المباني التاريخية المتصدعة واحياء المهجور منها واخراجها للانظار بثوب قشيب ومظهر قريب من حالتها الاصلية. يتطلب ترميم الابنية الاثارية والتاريخية، وصيانة البقايا القائمة منها توفر المال والخبرة الفنية ومواد البناء اللازمة، اما المال فقد ارصدت الدولة بسخاء المبالغ الطائلة لهذا الغرض اذ اعتبرته من أوليات الواجبات القومية والوطنية، ولم تبخل عليه بأي شيء تستدعي الضرورة وجوده او ايجاده، واما الخبرة الفنية فانها لاتقل ضرورة عن المال بل بدونها لايمكن انجاز ما نبتغيه اذ ليس من السهل صيانة الابنية الاثارية في بلادنا، لانها تختلف في ازمنة انشائها ومشيدة من مواد بناء متنوعة وكل واحد منها له طرازه وريازته واشكال زخارفه ونقوشه مما يتطلب عددا وافرا من المختصين بهذه الاعمال وايجاد العمال الماهرين الممارسين لها او تدريبهم عليها، وهذا ما دعا المسؤولين عن الاثار الى عقد دورات تدريبية خاصة لهم لكي يتقنوا عمل مايعهد اليهم مثل حفر الزخارف الاجرية بانواعها والنقش على الخشب الجص بحيث تكون مشابهة للنماذج الاصلية التي يعثر عليها في جدران الابنية او بين انقاضها المتراكمة في داخلها، وذلك لاكمال مايجب اكماله من الزخارف الاصلية او غيرها. فلا بد اذا من ان يتناول اي عمل من اعمال الصيانة الاثارية نواحي معينة اهمها تنظيف البناء من الاتربة ورفع الانقاض المتراكمة وازالة الاضافات المحدثة فيه وفحص الاسس في باطن الارض للتأكد من سلامتها من الرطوبة والا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram