سيكون معيباً استنكارنا لرضوخ حزب الله للتوجيهات الإيرانية في كل مجال، ما دامت جمهورية الولي الفقيه تؤكد استعدادها للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الحزب الأصولي، حال تعرضه إلى أي اعتداء، وما دام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، يؤكد في رسالة شديدة الوضوح، أن على الدول الغربية وخاصة أمريكا، أن تعلم أنها أمام شرق أوسط جديد، وأنه إذا أغلظ المسؤولون الغربيون الكلام بحق حزب الله والمقاومة، فسيتلقون الصفعات بالتأكيد، وللدقة فإن الواجب يدعو لملاحظة أن الصفعات ستتلاحق، في حال إغلاظ الكلام ليس إلاّ.
شهدت هذه المنطقة بعد الحرب الكونية الأولى، ونشوء أوطان جديدة، ولادة أحزاب وطنية ودينية وأخرى قومية، كما شهدت مداً للحزب الشيوعي بأمميته، ولقيت الأحزاب الوطنية التي ولدت في دول الإقليم التاريخية كسوريا والعراق هزيمتها، على يد الحزب القومي "البعث"، وهو في واقع الأمر انتشر كالنار في هشيم المنطقة السياسي، فنشأت له فروع في كل دول المنطقة، وحين اختلفت الدولتان الواقعتان تحت حكمه، انتقل ذلك إلى كل الفروع التي انشقت على بعضها، ووجدنا أنفسنا أمام بعثين، أحدهما في دمشق وتتبع له فروع، والآخر في بغداد وله أتباعه في كل قطر عربي، والمثير واللافت للنظر أن العداء الذي استعر بين البعثين العباسي والأموي، كان أكثر ضراوة من عدائهما مع غيرهما من الأحزاب.
جماعة الإخوان المسلمين، تجاوزت في امتدادها العالم العربي، لتنشئ لها فروعاً في الدول الإسلامية التي تحررت من الاستعمار، فوصلت تنظيماتها إلى الباكستان وتركيا وسواها، باعتبار أن الدين يرفض الوطنيات الزائفة، "فالاسلام أمة واحدة لافرق فيها بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى"، وظلت قيادة هذه الجماعة متمركزة في مصر التي شهدت ولادتها، وإن كانت أشركت بعض علمائها في مكتب الإرشاد الدولي، الخاضع حُكماً لإرادة ورؤية المرشد العام في مصر، لم تتمكن جماعة الاخوان من الوصول إلى الحكم إلا مؤخراً في مصر وتونس، وأثبتت فشلها الذريع في إدارة الدول، بسرعة لم تكن متوقعة، أما فرعها التركي فيواجه اليوم حملة مضادة لحكمه، أساسها فساد مالي مدهش في أعلى مستويات السلطة.
وإذا كان الإخوان حزباً للمسلمين السُنّة، كما هو واقع الحال، فإن المسلمين الشيعة أنشأوا احزاباً لطائفتهم، هي أيضا عابرة للأوطان، وحظيت مؤخراً بدعم إيران، بعد قيام الجمهورية الإسلامية فيها على أساس طائفي، ومن هذه الأحزاب حزب الله في لبنان، وهو يجاهر بمذهبيته وبانتمائه لفكر الولي الفقيه، وفي العراق حظيت كل الأحزاب الشيعية بتعاطف ودعم طهران، قبل سقوط صدام حسين وحزبه القومي، وليس سراً ان طهران تحصد اليوم أثمان هذا الدعم، نفوذاً واضحاً في العراق ولبنان أيضاً، وعند جماعة الحوثيين في اليمن، وفي كل منطقة تسكنها الطائفة الشيعية في العالم.
الخلاصة أن كل الأحزاب القومية والدينية العابرة للأوطان، تلقت الدعم من دول حكمتها تلك الأحزاب، بما في ذلك الأحزاب الشيوعية العربية، التي تلقت الدعم من موسكو السوفيتية، قبل أن تختلف مع شيوعيي الصين، لتنقسم الأحزاب العربية على وقع ذلك، فتتنوع مصادر دعمها بحسب اعتناقها للفكر السوفييتي أو الماوي، والسؤال اليوم لماذا يستنكر البعض دعم إيران لحزب الله، وهو أكبر وأخطر وأهم مؤيدي سياساتها؟
أحزابنا وتمويلها ودعمها!
[post-views]
نشر في: 19 يناير, 2014: 09:01 م