تبهرني مثابرته ودقة متابعته للجديد من الإصدارات الثقافية بهدف توثيقها وأرشفة محتوياتها ،إذ صار مرجعا أمينا للمهتمين وطلبة الدراسات الجامعية العليا ،ولا أزعم أنه ملأ مكان الراحلين الأخوين ميخائيل عواد وكوركيس عواد بعد غيابهما , إلا أنه احتل موقعه بجدا
تبهرني مثابرته ودقة متابعته للجديد من الإصدارات الثقافية بهدف توثيقها وأرشفة محتوياتها ،إذ صار مرجعا أمينا للمهتمين وطلبة الدراسات الجامعية العليا ،ولا أزعم أنه ملأ مكان الراحلين الأخوين ميخائيل عواد وكوركيس عواد بعد غيابهما , إلا أنه احتل موقعه بجدارة الحريص الدؤوب الذي لا تفوته شاردة أو واردة إلا وكانت لهما في اهتماماته منزلة خاصة عرف بها منذ بدايات اشتغالاته التوثيقية والأرشيفية لمختلف فروع المعرفة الإنسانية التي أنتجها العقل المبدع هنا في العراق وفي باقي الأقطار العربية , وإذا كان للدكتور صباح المرزوك العديد من فضائل التأليف والبحث ,فإن جهده الرصين (معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970 – 2000م) الذي صدر عن دار الحكمة بثمانية أجزاء , يكفيه فخرا وخلودا وانتشارا وإن لم تقل مؤلفاته الأخرى أهمية عن معجمه ذائع الصيت هذا والتي زادت على عشرين مؤلفا نالت الإشادة والاهتمام والاعتزاز وحققت حضورها في ساعات الدرس الأكاديمي وجلسات النقاش المثمر في المنتديات والمجالس الأدبية .
والدكتور المرزوك لا يكفّ عن البحث والتدوين والمتابعة منذ ستينات القرن المنصرم , فهو شاهد حيّ وأمين على كل ما أبدعه الحليون أولا ومن بعدهم كل العراقيين والعرب لاحقا ...
ويأتي جديده – بدر شاكر السياب في المراجع العربية والمعربة – الصادر حديثا عن دار النشر للجامعات في القاهرة توكيدا على ما أشرنا إليه من قبل , فهو كتاب نادر ومتميز في محتواه ومبناه أستطيع القول إنه قدّم من خلاله خدمة لا تضاهى للدارسين وطلاب المعرفة بجمع وتصنيف كل ما يشير إلى السياب شاعرا وناثرا ومترجما من قصائد ومقالات وكتب ودراسات وتعقيبات أثرت المشغل الثقافي العربي , فإذا كان أبو الطيب المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس في تاريخ الأدب العربي القديم فإن بدر شاكر السياب يعد مالئ الدنيا وشاغل الناس في تاريخ الأدب العربي الحديث , كما أشار الدكتور المرزوك في مقدمة الكتاب ص3, ويضيف : ولقد سمعت باسم السياب أول مرة سنة 1967 م , حينما مرت ذاكره السادسة فما كان من مدرس اللغة العربية المصري المنتدب للتدريس في ثانوية الحلة للبنين إلا أن ينتهز مرور هذه الذكرى ليتكلم لنا بغزارة عن هذا الشاعر ،وقد وقفنا على معلومات كثيرة عنه , مما جعلنا نعرض على أستاذنا أن نقوم بإعداد نشرة جدارية عن السياب , وقد اختير لهذه النشرة الموضوعات المستلة من المعلومات ,وقد قام الأستاذ عباس بسيوني بدور مهم في تهذيب وإخراج وتصحيح هذه الموضوعات ...
وهذا الكتاب : بدر شاكر السياب في المراجع العربية والمعربة ضم ثمانية فصول وفهرسين للأعلام والموضوعات كما يأتي :
.. الفصل الأول : سيرة السياب ص5
.. الفصل الثاني : أعمال السياب الشعرية ص7
.. الفصل الثالث : أعمال السياب الشعرية ص 17
.. الفصل الرابع : كتب خاصة بالسياب ص 21
.. الفصل الخامس : كتب فيها ذكر السياب ص 31
.. الفصل السادس : المقالات والدراسات عن السياب في الصحف والمجلات ص 85
.. الفصل السابع : القصائد التي قيلت في السياب ص 143
.. الفصل الثامن : المقالات والحوارات ص 149
ويتضح لنا ان الفصل السادس من الكتاب كان أوسع من غيره , أما الفصل الأول فكان أقصر الفصول وذلك يرتبط – كما أرى – بسنوات عمر السياب القصيرة (1926م – 1964م) ..
ورأيت أن أسرد شيئا عن سيرة السياب – الملتبسة والقلقة – وأضعها أمام المزيد من القراء ليقيني أن كثيرين منهم لا تتوفر لديهم المعلومات النافعة عن هذا الطود الكبير لأسباب ذاتية وموضوعية ،أولها الانصراف عن القراءة الجادة بفعل وسائل الاتصال الحديثة (النت والفضائيات) إضافة إلى قصور دور النشر الرسمية العراقية عن إعادة طبع أعمال السياب ووضعها في متناول القراء مع ضرورة اتساع صفحات التعريف بالسياب وبدوره الحداثي في المناهج الدراسية ...
يشير الفصل الأول (سيرة السياب) إلى :
هو بدر بن شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب , ينتسب إلى أسرة ريفية استقرت في قضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة , ولد سنة 1345 هــ / 1926م في قرية جيكور وتوفيت أمه وهو في السادسة من عمره فعاش في كنف جدته . دخل مدرسة باب سليمان الابتدائية , ثم انتقل إلى مدرسة المحمودية الابتدائية وتخرج فيها سنة 1938 , ثم دخل متوسطة وإعدادية البصرة , وتخرج فيها من الفرع العلمي سنة 1942 , دخل قسم اللغة العربية في دار المعلمين العالية ببغداد , ثم انتقل إلى قسم اللغة الإنكليزية وتخرج فيها سنة 1948 . عيّن مدرسا للغة الإنكليزية في ثانوية الرمادي في مدينة الرمادي بعد تخرجه , ولكنه سرعان ما فصل بسبب نشاطه السياسي فعمل في شركة التمور العراقية , ثم في شركة نفط البصرة فما استقر فيها طويلا , ورحل عنها إلى بغداد سنة 1950, ثم أخذ ينتقل من وظيفة لأخرى حتى وجد عملا في مديرية الأموال المستوردة .
شارك السياب في تظاهرات سنة 1952, وهرب إلى إيران لمدة سبعين يوما , زار الكويت أوائل عام 1953م , وعمل موظفا في شركة كهرباء الكويت مدة ستة أشهر , ثم عاد إلى بغداد , وسافر إلى بوخارست لحضور مهرجان الشبيبة هناك , ثم عاد إلى بغداد ليعمل في مديرية الأموال المستوردة نهاية 1953 , ثم تزوج سنة 1955, وشارك في التوقيع على بيان تأييد الثورة الجزائرية الذي صدر عن رجال الفكر والأدب . سافر السياب عضوا في الوفد العراقي الرسمي إلى مؤتمر الأدباء العرب المنعقد بدمشق سنة 1956م .
ويضيف الدكتور صباح المرزوك :
استقال من مديرية الأموال المستوردة بعد ثورة 14 تموز 1958, وعين مدرسا في وزارة المعارف ,ثم نقل بعد شهرين إلى مديرية التجارة العامة , ثم فقد وظيفته . سافر السياب إلى بيروت سنة 1960 لطبع ديوان له وحين عاد منها إلى بغدالد أعيد تعيينه , لكنه ما لبث ان استقال بعد أربعة أيام من عمله , وانتقل مع عائلته إلى البصرة ليعمل موظفا في مصلحة الموانئ وعضوا في أسرة تحرير مجلة الموانئ ,ثم حضر مؤتمر الأدب العربي المعاصر في روما في تشرين الأول من عام 1961..
ويختتم المرزوك فصل سيرة السياب بقوله :
تنقّل السياب في أواخر أيامه من بيروت , وبغداد, وباريس, ولندن, من أجل العلاج . توفي في المستشفى الأميري في الكويت في 1964, وحمل جثمانه إلى البصرة ودفن في مقبرة الحسن البصري ..
وأخيراً لابد من تذكير القارئ بإصدارات السياب الشعرية لزيادة المتعة والفائدة وهي :
أزهار ذابلة / مصر 1947, أزهار وأساطير بيروت بلا أساطير / النجف 1950, الأسلحة والأطفال/ بغداد 1945, أعاصير /بغداد 1972, إقبال/ بيروت 1965, أنشودة المطر / بيروت 1960,شناشيل ابنة الجلبي / بيروت 1964, فجر السلام /بيروت 1978, قيثارة الريح/ بغداد 1971, المعبد الغريق/ بيروت 1962, منزل الأقنان / بيروت 1963, المومس العمياء/ بغداد 1954, النهر والموت / بيروت 1988, الهدايا/ بيروت 1974, وهناك العديد من الدواوين المخطوطة التي لم تنشر لحد هذا التاريخ ....
وهنا يتوجب على كل الحريصين على الثقافة العراقية رفع أصواتهم ومناشدة دار الشؤون الثقافية الحكومية ودار المدى للإسراع بإعادة طبع أعمال السياب / شعرية – نثرية – مترجمة – لما تقدمه من خدمة جليلة لثقافتنا الراهنة بنشر أعمال القامات الإبداعية الكبيرة ........
وأخــــــيراً :
لا أقول سوى شكراً وألف شكر للباحث المثابر والببلوغرافي الأمين الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك الذي منحنا فرصة إعادة قراءة الشاعر الأسطورة بدر شاكر السياب بكل هذه المهابة والعمق والإحاطة الشاملة بمنجزات أحد رواد حركة تجديد الشعر العربي الحديث , وأنتهز هذه الفرصة السانحة فأدعو – من يقرأ- إلى أن يبحث عن رائعة المرزوك – بدر شاكر السياب في المراجع العربية والمعربة – لينهل من معينها الثر ومن ثم يدعو للمرزوك بالعمر المديد وللسياب بالرحمة والمغفرة ............