TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرّف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً: من المسؤول عن إثارة الفتنة الطائفية وإذكائها...؟

صناعة التطرّف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً: من المسؤول عن إثارة الفتنة الطائفية وإذكائها...؟

نشر في: 20 يناير, 2014: 09:01 م

أولاً: لا جدال ولا شك في القصدية الإجرامية للقاعدة وسواها من المنظمات المسلحة التكفيرية، ومسؤوليتها المباشرة في إثارة كوامن النزعة الطائفية، وتحريضها على الفتنة وتوسيع دائرتها، بما ارتكبته منذ سقوط الدكتاتورية السابقة حتى اليوم. وليس موضع نقاشٍ او ت

أولاً:
لا جدال ولا شك في القصدية الإجرامية للقاعدة وسواها من المنظمات المسلحة التكفيرية، ومسؤوليتها المباشرة في إثارة كوامن النزعة الطائفية، وتحريضها على الفتنة وتوسيع دائرتها، بما ارتكبته منذ سقوط الدكتاتورية السابقة حتى اليوم. وليس موضع نقاشٍ او تشكيكٍ ايضاً، ان دولاً عربية وإقليمية بعينها هي التي تدعم هذه المنظمات، سواءً بالمال او بالسلاح، او تشكل حاضنة لها. ورغم هذه الحقائق الدامغة، فان جذور الارهاب ومنابعه تكمن في الانحرافات العقائدية التي تتجسد في الفكر التكفيري "الاسلاموي" ومنابره المنتشرة في العديد من الدول الاسلامية، العربية وغير العربية، وتتغذى كل يوم بفتاوى، مضللة تحرض على تعبئة الشبيبة "المُخَدّرة " بأفيونها، وتضخُ في تلافيف عقولها المُغَيّبة عن الوعي والواقع والمبعدة عن جدل الحياة وحركتها، كل ما هو مسترجعٌ من تاريخ الجهالة ووقائعه المشوهة، حول صراعاتٍ شهدها الاسلام الاول، وتجذرت خلافاً للحقيقة وعلى الضد من المسارات التي كرستها الرسالة المحمدية واهدافها وفروضها ودعاواها.

ولم يكن لهذه المنابع العقائدية، واسترجاعاتها التاريخية ومنابرها وفتاواها ان تنطوي على هذا القدر من التأثير والتعبئة، لولا تحولها إلى اطار سياسي وقاعدة للصراع على السلطة، منذ النهاية المعروفة للخلافة الراشدة، باعتماد التحكيم على الخلافة، واستيلاء العائلة الاموية على الدولة الاسلامية وتكريس توريث الحكم، بخلاف ما جرى في الحقبة الاولى للاسلام، وتدشين مرحلة "الإسلام السياسي" كتيار نافذ يتجاوز العقيدة الإسلامية ومبادئها.
وظل الصراع يتفاقم، مذاّك، ويحيط نفسه بكم من التلفيق والتجني والخروج على الاسلام الاول، ويتحول الى عوامل هدمٍ، وتشويه للإسلام المحمدي، وتفكيك لأركانه وفرائضه، بما أضفاه كل طرف عليه، ومن اسقاطاته التي توارثتها الاجيال والامم الاسلامية في مختلف اصقاع العالم، بعد حملات الفتوح والتوسع.
ونظرة موضوعية إلى الانقطاع في سير العصور الاسلامية، الاموية والعباسية والفاطمية والعثمانية، وما بينها من عهود وفرقٍ، وحروب وقتال وتكفير متبادل وتقاذف باختلاق الاحاديث والاشعار والمدونات، واعتمادها في التسقيط السياسي، تكفي لتلقي اضواء ساطعة على ما آلت اليه اوضاع المسلمين وفرقهم ومذاهبهم وطوائفهم ودولهم من مصائر، هي والإسلام الأول وما جاء به كتابه المجيد، على طرفي نقيض.
وليس صحيحاً ان التطرف الذي نشهده اليوم وافد جديد على الإسلام، وان هويته غريبة عليه، لان كل التاريخ السياسي للاسلام، بعد انحراف مساراته عقب حقبة الخلافة الراشدة، يعكس انبثاق التطرف من رحم التيارات والفرق التي تصارعت على السلطة، بعد ان صار الاسلام دولة مترامية الاطراف، تدر ذهباً وحريماً وخيرات وجاهاً وامتيازات ومباذل، تصب في خزائن الملوك الذين تسمّوا باسم الخلفاء، وجلهم كان يغرق كل يوم في المفاسد والملاهي التي حطّت عليهم من كل ثقافات وتقاليد الامم المفتوحة المنخرطة في دولة الاسلام. حتى ان بعض الخلفاء اصبح نموذجاً للتهتك الاجتماعي والسياسي والاخلاقي، ومنهم من تطاول في دواوينه على القرآن، وأمَّ الصلاة وهو يتلوى من السكر، او يُنيب عنه في الامامة جاريته!
وقد سقط في الصراع بين الفرق والمذاهب "السياسية" آلاف من علماء الدين ورجالات الفكر والثقافة، لاجتهاد مخالف، في اطار الاسلام وليس خروجاً عليه. واستخدمت في التصفيات "السياسية"، التي مارستها اقوام "الاسلام السياسي" ابشع اشكال وصيغ التعذيب والقتل والابادة، وكل ما توفر يومذاك من اساليب الفساد الاخلاقي والمالي لتبرير تكريس السلطة الجائرة، وترويع المخالفين، وقطع رقابهم ودفنهم احياء في الجدران، وتقطيع اوصالهم، والاستيلاء على المال العام وهتك الحرمات.
ونحن نعيش اليوم في الديار العربية الاسلامية، فصلاً جديداً من مراحل تسيّد تيار الاسلام السياسي، بتصنيفاته السنيّة والشيعيّة، وفي أُطرها، تتحرك المجاميع التكفيرية والميليشيات المنفلتة، وهي تستمد ثقافتها وأساليب نشاطها الاجرامي، من تراث تلك المراحل المظلمة من التاريخ، والصراع على السلطة والخلافة.
ان أس التطرف ليس دينياً، وإنما هو تحوير وتدوير للدين بدواعي الوصول الى السلطة والحفاظ عليها. ومن يتتبع اشباح المنخرطين في القاعدة وداعش والتنظيمات التكفيرية الاخرى وكوادر الميليشيات الاسلاموية الطائفية، يجد ان جُلهم من المجرّدين عن علوم الدين والقرآن والثقافة الاسلامية، والمخدرين، بثقافة الاقصاء والتكفير، حتى ان التكفيري الذي حاول اغتيال الروائي الراحل نجيب محفوظ حين سؤل عما اذا كان قد قرأ رواية "اولاد حارتنا" التي بسببها طعن بسكينه الغادر الكاتب الكبير، اجاب بكل بساطة ..انا لا اقرأ وإنما انفذ امراً..!
يتبع...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram