لو حاول احدهم ان يتصور المشهد داخل "غرفة عمليات المالكي" فسيرى التالي: يقف الرجل مع فريقه المدني والعسكري، وتغطس قدماه في مداخل الفلوجة متردداً في لملمة الحق والباطل من قتال داعش. فيما يصارع بإحدى يديه مساراً مضنياً في شمال البلاد ليصوغ صراعه مع كردستان حول شروط التقدم. ولا يكتفي بذلك بل ينتبه الى ان لديه يداً اخرى، فيستخدمها في رد تشريع البرلمان وانتزاع مبالغ طائلة من المحافظات الشيعية المنتجة للنفط ومشتقاته رفضا لطموحاتها "اللامركزية". وفي الاثناء تنشغل اعضاؤه المتبقية وقسمات وجهه بتقسيم المحيط الاقليمي الى معسكر للخير وآخر للشر، متوعداً بمعاقبة العرب "الاشرار" ومهدداً بمقاطعة الترك "الطامعين". وفي لجة هذه الصراعات اللامنتهية، يسارع الى عزل ممثل التيار الصدري المسؤول عن هيئة الاجتثاث والمساءلة، ويعيد الاستيلاء عليها، مذكرا خصومه بأن اجتثاث مرشحي الانتخابات هو مفتاح عاد بين يديه، وأنه سيتمكن بسهولة من شطب ٥٠٠ مرشح كما حصل في ٢٠١٠.
انها مهمات اكثر مما تطيقه "غرفة عمليات" في هذا الشتاء العصيب، بنحو يمنح فخري كريم في افتتاحية سابقة، كل المسوغات المطلوبة لوصف المالكي بعنوان فيلم الكاوبوي الشهير.. رنكو لا يتفاهم!
ان جمع كل هذه المعارك في سلة واحدة وبلد مضطرب ومحاط بالاضطراب، يختصر صورة رجل دخل الى السلطة عن طريق الصدفة، ويتملكه الهلع من مغادرتها ومواجهة استحقاقات الفشل الشامل، وهو لا يجد حلاً الا بخوض مواجهة مع الجميع، تحت شعار ان على الجميع ان يتقبلوا صيغة الامر الواقع، وهي ان رأس السلطة لا يعترف بسلطة تشريع تعارض سلطته، ولا يعترف بتغير الزمان السياسي ومقاساته. والامر الواقع يكتسب هذه اللحظة تعريفاً هو الاخطر منذ خروج فيالق اميركا، مفاده ان الحاج السلطان مستعد لابتكار ألف مفاجأة مروعة، كي يتجنب خطر مغادرة منصبه، لانه يعلم ولاشك، ان خروجه من السلطة سيكون خروجاً نحو المجهول، له ولأصهاره وأولاده وعصبته.. بعد ان لم يتركوا لانفسهم صديقاً ولا حليفاً، وتعسفوا في ترجمة الرئاسة وشؤون الحكم.
١٢٠ نائباً على الاقل، جاهزون للاعتراض على الميزانية، ولكل اسبابه. ممثلو غرب العراق مقاطعون لجلسات البرلمان بعد ان تبخرت السياسة، لتحل محلها الارتجالات التعسفية. نواب محافظات الجنوب، من واسط الى البصرة، غاضبون، لان الحكومة خرقت صلاحيات المحافظات المنشورة في الوقائع العراقية ورفضت منحهم ميزانية الخمسة دولار عن كل برميل نفط منتج او مكرر. الكردستاني يشعر بالعزاء لانه ليس الطرف الوحيد المتضرر من سياسات مجنونة تغضب الجميع. بل ان الجميع امامهم مناسبة مهمة لتأكيد ان كل الاطراف باتوا في كفة واحدة، تحت وابل قرارات المالكي.
في هذه اللحظة يدرك اهل البصرة ان المالكي يريدهم ان يظلوا تحت رحمة مكرماته، لا مخصصات مالية كافية، تنتشل مدينة البحر والنفط والنخيل من واقعها الكارثي. لان السلطان لايريد للنعمة ان تتسرب الا من ثقب مكرماته هو. وبنفس المعاني والدلالات، فإن المالكي لا يتحمل كتلة سياسية من غرب العراق ترفض التصفيق له والخضوع لنزواته. وبالمعايير ذاتها فإن جنون السلطان يتطاير كالشرر، وهو يرى مسار التقدم الكردي ماضياً في احراجه ضمن كل حقول التنمية والعمران والازدهار، بمعزل عن منطق "المكرمات".
فقدان التوازن الذي يتملك السلطان، يجعله يتجاهل اكثر من اي لحظة سابقة، اعتبارات السياسة ومعايير الدستور، ويشعر كما فعلها المختلون قبله، بأنه يمثل مشيئة متعالية فوق النقد والاعتراض، والمشيئة هذه يجب ان تحتكر حق توزيع المال والصلاحيات، وفق نزوات طاقم "العباقرة" المحيط به، وفي هذا الاطار فإن المشيئة المتعالية تمنحه حق ان يضرب بعرض الحائط، مشيئة البرلمان، وأمنيات اهل البصرة بتحسين الحال، ومسار التنمية في كردستان، وأحلام اهل الانبار في العثور على مفاوض أقل جنوناً يجنب اولادهم وأولادنا، خبط العشواء على امتداد الفرات الاعلى.
السلطان يعلن "موت السياسة" ويقدم أسوأ نموذج للتشبث بسلطة لم تعد شرعية بكل المقاييس. ويقدم لكل الاطراف ألف عذر لخلعه بعد نيسان المقبل.
اعلان موت السياسة يا"رنكو"
[post-views]
نشر في: 20 يناير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 6
الشمري فاروق
العزيز سرمد....حرت في امرهذا الرجل فتوصلت في النهايه لحقيقته.. ان نوري المالكي( مشعل حرائق)....من اجل ان يخرج من واحدة منها يشعل اخرى فتراه منذ تشكيل قوات دجله وما قبلها وما بعدها ينقل البلد من حريق لاخر فلكي يطفئ حريقا يشعل اخر وهكذا يسير امور الب
اكرم حبيب
السيد الطائي المحترم لاتفرط بالتفائل بخلع السيد المالكي فخصومه قلوبهم شتى ونواياهم كل يبكي على ليلاه في لحظة تراجع السيد الصدر تحت ضغط ايران والتقف السيد الحكيم الفرصة فرصة لاتعوض اما التحالف الكردستاني -تحالف قومي -الراعي لاتفاق اربيل الكسيح وماتلاهمن تق
عبدالرحيم الحمصي
و ماذا تنتظرون ممن استُقدم على ظهر دبابة أمريكية ؟؟؟؟ مقدرات الشعب العراقي باتت بقرة حلوبا بين روسيا و إيران و الصين حتى يبقى بشار على رأس سوريا . إيران تشتري السلاح من روسيا لسوريا من مال العراقيين . و كل الصفقات العراقية تستحود عليها روسيا . و كله بفضل
Ali AlMaqhoor
لا اريد التعليق على القمال لكني اريد التعليق للكاتب الشجاع سرمد الطائي ...لم اتصور ان يكون الشاب الممتليء عافية وعضلات ويحلق لحيته وشاربه ويستضيف نائب برلماني مغمور لا يعرفه الا القليلون يسمى نوري المالكي ..لم يكن يتصور احد ان يكون قلما نوويا بعد مايقارب
مواطن عراقي ....
حقيقة ﻻ ارى في امر نوري المالكي اي شك في ان هذا الرجل يقود وطني العراق الى الخراب والدمار ﻻ والاكبر من ذلك تشبثه المريض بالسلطة لم اعد اعرف ماذا وين والى متى يوجد شي اسمه نوري ... تحيات
محمد
حكومة المالكي منذ بدايتها اي الدورة الاولى لها هي حكومة ازمات بقائها واستمرارها وسيطرتها وقوتها مستمدة من خلقها للازمات فبدئها بحربة ضد التار الصدري وبعدها اهل السنة ومن ثم المجلس الاعلى والان حركتة ضد مايزعم انها داعش ضد اهل الانبار وختمها بالاكراد والله