لم يكد يجف حبر توقيع أمين عام الأمم المتحدة على دعوته إيران لحضور مؤتمر جنيف الثاني، المتعلق بالأزمة السورية، ويتوقع أن يبدأ اليوم، حتى سحب الدعوة، متذرعاً بأن طهران ترفض دعم تأليف حكومة انتقالية في سوريا، كما ينص إعلان جنيف الأول، وزعم ناطق باسمه أن الدعوة وُجهت، لأن مسؤولين إيرانيين كباراً أكدوا للأمين العام أن إيران تتفهم وتؤيد قاعدة المشاورات وهدف المؤتمر، غير أن الحكومة الإيرانية أعلنت أن مشاركتها في المؤتمر، ينبغي أن تكون غير مشروطة، ما أصاب بان كي مون بخيبة أمل كبيرة، من التصريحات المتناقضة مع الالتزام الذي أعلنه المسؤولون الإيرانيون خلال اتصالاتهم معه.
هذا بالطبع جزء من الحقيقة، أما البقية فتتعلق برفض ائتلاف معارضي الأسد مشاركة إيران، قبل سحب قواتها من سوريا، وإذ يتعذر إثبات أن جنوداً إيرانيين يشاركون في القتال، لدعم النظام السوري، فإنه يُستعاض عن ذلك بالإشارة الى مقاتلي حزب الله، والمجاميع المذهبية القادمة من العراق، بتأييد ودعم من طهران، بزعم الدفاع عن مواقع مقدسة عند الطائفة الشيعية، كما أن واشنطن والرياض ولندن وباريس، شككت بجدوى حضور إيران، وهي تحمل نفس أفكار النظام السوري وتدافع عنها، وكانت النتيجة المباشرة عودة الائتلاف المعارض عن قراره بعدم حضور المؤتمر، وترحيبه بالقرار الجديد بسحب الدعوة الموجهة لإيران، كونها لم تستوف شروط المشاركة في هذا المؤتمر.
يشارك الأسد ومعارضوه في جنيف بأجندتين متباينتين بالكامل، فمعارضوه مشتتون لا يجمعهم رأي موحد، بعضهم يستهدف تحقيق الانتقال السياسي، عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، على كافة مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش والأمن والمخابرات، والبعض الآخر لا يقبل بأقل من تنحية الأسد ومحاكمته، فيما هو يمضي مؤيداً بالدعم الروسي، لحث المجتمع الدولي على محاربة الإرهاب، المتجسد في تنظيمي داعش وجبهة النصرة، وكلاهما كما يجب التأكيد، لم يولدا من رحم الثورة السورية، ويصح القول أنهما أساءا إليها وحارباها، وتلك ذريعة لحجب مطالب الثورة والقفز عن أهدافها.
إيران ترفض بيان جنيف الأول، وأي شروط مسبقة، وترى أن اشتراط قبول ذلك الاتفاق الذي نص على انتقال السلطة، أمر غير مقبول، كما أنها لا يمكن أن تقبل خطة الانتقال السياسي في سوريا، باعتبار أن المعادلات على الأرض قد تغيرت خلال العامين المنصرمين ، وواشنطن تطالبها بإعلان قبوله تاماً وعلنياً، وموسكو تدعم موقف طهران وتحذر من غيابها باعتباره خطأ لا يغتفر، والمعارضة تذهب إلى جنيف بفهم أن طاولة الحوار تم إعدادها بعناية، لتكون فخاً لأحد الطرفين، ما يعني أن توحيد الموقف سيكون عاملاً حاسماً، ومع أنها تواجه استحقاقاً مصيرياً، فإنها لم تضع مشروعاً متكاملاً، وتعول على شرح الموقف الإنساني والمأساوي، الذي وصل إليه الشعب السوري، رغم أن التجارب أكدت أن المجتمع الدولي غير معني لا إنسانيا ولا أخلاقيا بمعاناة السوريين، وهو يسعى لدعم الطرف الأقوى سياسياً، بعد العجز عن حسم الأمر عسكرياً.
السؤال المطروح اليوم، هو هل سيضعف غياب إيران موقف الأسد، وهو الذي تمرس نظامه في اللعب على كل الحبال السياسية، محترفاً كل ألعاب التفاوض ودهاليزه، وهل يكون الموقف الروسي كافياً، لتحويل أهداف جنيف الثاني من وضع نظام ديمقراطي للحكم في سوريا، يلبي مطالب شعبها، إلى اتفاق على محاربة الإرهاب، وهل ستكون قوى الثورة المناهضة للأسد من ضمن الإرهابيين الذين يجب القضاء عليهم.
جنيف الثاني بغياب إيران
[post-views]
نشر في: 21 يناير, 2014: 09:01 م