منذ زمن لم أسمع نكتة جديدة، اللهم إلا بعض القفشات التي أصبحت ثقيلة الظل من كثرة تكرارها، ولأننا شعب لا يحب الضحك ونصنف باعتبارنا آباء شرعيين للحزن والعويل، ولأغاني " أم المعارك " وأهازيج صبيان الطائفية ، لهذا أصبحت أحلى نكاتنا هي التي تدفعنا الى البكاء على حالنا المضحك، أو الضحك على واقعنا المبكي ، وعلى الرغم من أننا عشنا السنوات الأخيرة في أزمات اقتصادية واجتماعية مؤلمة، ودعونا من الأزمات السياسية والكوارث الأمنية، فقد تعودنا عليها وأدمناها منذ سنوات، ورغم تصاعد الغضب على الفساد في الشهور الأخيرة، وصراخ الناس وتظاهراتهم لم نسمع نكتة جديدة تخفف قليلا من هول المواقف المتناقضة والمشاهد المتقطعة التي تحاصرنا من كل مكان.
حتى جاء الأمس فقط، ووصلتني نكتة جديدة ، تختصر الواقع الذي نعيشه في كلمات، وتؤكد إننا لا نزال بخير وقادرين على السخرية من أنفسنا، فلا شيء يهدد الأمن الوطني ويفقد هذا الشعب واحدة من أهم خصوصياته، مثل عدم مقدرته على السخرية. تقول النكتة: أقام مكتب المفتش العام لوزارة الثقافة محاضرة لموظفيه، في موضوع (الرسالة الخالدة للمرأة في الإسلام والعراق)
ويكمل صُنّاع النكتة سخريتهم منا فيضيفون ان" هذه الندوة جاءت رداً على نتائج استطلاع مؤسسة (تومسون رويترز) لاختيار وضع المرأة في الدول العربية"، وهو التقرير الذي صنف العراق كأسوأ بلد عربي بعد مصر في معاملة المرأة، حيث أكد التقرير على ترمل أكثر من 1.6 مليون زوجة عراقية وأنهن أصبحن في حاجة ملحة للمال، بينما لم تحصل سوى 14.5 في المائة من النساء العراقيات على وظائف .
ولأننا لا نعرف من هو السيناريست الذي يتحكم في احوال العباد السياسة العراقية ويصوغ لهم المواقف المتناقضة والمشاهد المتقاطعة، فإننا ندرك جيدا أن هناك سيناريو لو وضعت تفاصيله متجاورة، نستطيع ان نجيب على سؤال يحير العراقيين وهو: الى أين نسير؟ والا ما معنى ان يترك مفتش عام مهمته التي يقبض من أجلها الراتب ، واعني بها ممارسة دوره كجهة رقابية تعنى بالحد من ظواهر الفساد ومكافحته وذلك من خلال الكشف عن حالات الفساد التي قد تتخلل العمل الوظيفي كما نص على ذلك القانون الذي تأسست في ضوئه مكاتب المفتشين، ويذهب لألقاء مواعظ عن المرأة ورسالتها الخالدة.
للأسف يتصور البعض من المسؤولين أنهم ينتمون الى جماعات مهمتها نشر الفضيلة وحماية الأخلاق، وليسوا موظفين مهمتهم أداء عملهم بالشكل الصحيح ، ومثير للأسى أن يحاول البعض ان يستخدم الشعارات والندوات للتغطية على نهب أموال الدولة وانتشار المحسوبية والرشوة، ومثير للسخرية أن نعيد على أسماع الناس خطباً، عن الرفاهية التي تعيشها المرأة في ظل مسؤولين وسياسيين يتعوذ البعض منهم من الشيطان حين يذكر اسم المرأة أمامه.
السيد المفتش العام في وزارة الثقافة وهو يغضب ويستنكر تقرير منظمة دولية عن أحوال المرأة العراقية، لم نره يغضب على ما نشر من فضائح مهرجان بغداد عاصمة الثقافة، ولم يهتز له جفن وهو يقرأ ويسمع عن الأموال التي أهدرت على فعاليات لم يحضرها سوى أفراد يعدّون على أصابع اليدين، ولكننا بدلا من أن نسمع صوت المفتش يدين هذا الإصرار على سرقة المال العام في وضح النهار، فقد خرج علينا يملأ الأجواء بكاءً على كذب المنظمات الدولية وتربصها بالعصر السعيد الذي تعيشه المرأة العراقية، ولم يسال السيد المفتش ولا مكتبه "الموقر" نفسه لماذا تسود أعراف دولة الفساد التي حولت العراق من بلد غني إلى بلد يدير ثرواته موظفون ومسؤولون يعتبرون المال العام جزءاً من ثرواتهم الشخصية.. ولم نجد المفتش العام يسأل نفسه أين صرفت أموال الثقافة، وبغداد لا توجد فيها دار سينما واحدة ومسارحها تحولت الى مكبات للنفايات .
من يقرأ خبر ندوة المفتش العام عن الرسالة الخالدة ، سيضرب كفاً بكف على هذه القدرة العجيبة في خداع الذات قبل الآخرين، على نحو يتطلب من علماء النفس في العالم كله التداعي لإخضاع هذه العقول العظيمة التي تطلق نكاتها يميناً وشمالاً للبحث والتشريح العلمي.
الرسالة الخالدة لمفتش وزارة الثقافة
[post-views]
نشر في: 21 يناير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
خليلو..
لماذا تستغرب يا سيدي من الخبر الذي سمعته ؟! الم يجمع الجعفري فيما مضى النساء في بريطانيا ايام عاشوراء وهو يحط على راسه عمة الموامنة ويقرأ عليهن ما تركه ابن مختف؟ لا اعتراض أبدا على قراءة المقتل مقتل الرجل الذي قام ضد الوراثة الذي يحاول هو وخليفته تحقي
خليلو...
Do you remember The Grand inquisitor of Dostoyevky in The Brothers Karamazov .He is still alive!!
رمزي الحيدر
الى متى يتحمل و يصبر العراقيين على هذه ( الزبالة ) ؟؟؟...
داخل السومري
ارجو ان لا يكون حالنا يتمثل بحكاية خلالات العبد عندما بال البعير على خلالات العبد وأخذ العبد يفرز خلالاته على طريقة -هذي نكسانه وهذي مو نكسانه- النمايم التي سلطت على العراق،المغلوب على امره،كلهم بال عليهم البعير الامريكي ونجسهم.واذا كان من بين هؤلاء من