TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خيل الريِّس

خيل الريِّس

نشر في: 22 يناير, 2014: 09:01 م

"بغداد مليانة طوايل " ، قالها حمادي العربنجي مخاطبا مرهون أبو قنبورة في راوية "النخلة والجيران" ، للكاتب الراحل غائب طعمة فرمان ، قول حمادي فيه من التلميح والإشارات الى الواقع العراقي اقتصاديا وسياسيا في أربعينات القرن الماضي  ، ويتضمن ايضا التهكم الساخر المعبر عن الرفض الشعبي لممارسات السلطة  بجعل العاصمة بغداد مليئة  بمئات الإسطبلات ، يوم كان البغداديون يستخدمون العربات في تنقلهم بين منطقة واخرى ، ومهنة العربنجية شائعة في ذلك الوقت ، وبمرور الزمن  فرضت الحداثة  حضورها في الحياة العراقية ، وبدخول السيارات بأنواعها اختفت العربات وخيولها ، وتحولت اسطبلاتها الى مبانٍ ، فاختفت الطوايل ، وما تبقى منها في الوقت الحاضر  انتقل  الى مكان يقع  على جانب الطريق الرابط  بين بغداد  وأبو غريب  خارج العاصمة ، وجاء اختيار هذا المكان بعد إغلاق ساحة  سباق الخيل "الريسز" في المنصور ، وإنشاء جامع كبير في تلك الساحة لم يتم إنجاز تشييده بعد.
قول حمادي العربنجي وعلى  الرغم من اختفاء الطوايل ،  ظل محتفظا بفاعليته ، فهو يصلح لكل زمان ومكان  يعج بالفوضى والاضطراب الأمني والسياسي ، في وقت ينشغل فيه بعض الساسة فضلا عن مسؤولين  بتوفير افضل الأجواء لخيولهم  لتحتل المركز الأول في "أول هدَّة" بساق الخيل الأسبوعي .
 الذهاب الى ساحة السباق يتطلب  عدة شروط أهمها ان يكون بصحبتك شخص يعرف المكان  وان تتحمل نتائج  الزيارة ،لأنها في الكثير من الأحيان تخفي مفاجآت غير متوقعة ، فليس من المستبعد ان تتعرض لاعتداء من احدهم يعترض على وجودك في المكان  لأنك لست من الزبائن المعروفين ، وفي حال مرت الأمور بسلام ، ستشاهد  مظاهر لا تخطر على البال ، فبجوار ساحة السباق توجد قاعات كبيرة ، اسطبلات كانت مخصصة لخيول مسؤولين سابقين  استولى عليها أشخاص يشغلون مناصب مهمة في الدولة ، والسايس المكلف برعاية  تلك الخيول يرفض الحديث عن أصحابها ، ولكنه مقابل مبلغ 5 آلاف دينار  يكتفي بالقول بان  المالك" الريس" استولى على اسطبلات عدي صدام حسين.
 بالقرب من اسطبلات "خيول الريس "  افتتحت روازين في الجدران لبيع المشروبات الكحولية بأنواعها وبأسعار الجملة ، تقدم خدماتها للزبائن في كل الأوقات ، وبإمكان الشخص ان  يحتسي ما يشاء  بقرب عربة بائع اللبلبي دون اعتراض من احد ، فالممنوعات مباحة في الطوايل  وبعض سكانها من النازحين من حي الطرب في البصرة ، والكمالية في بغداد ، استقروا في هذا المكان وجددوا نشاطهم  لاستقبال الزبائن مع تقديم عرض مجاني لإظهار مفاتن  النساء من مختلف الأعمار ،  لتشجيع  الزبون على اختيار إحداهن مقابل 25 الف دينار،  والسعر خاضع للمساومة بشرط الامتناع عن التصوير .
الطوايل خالية من وجود رجال الأمن ، وأماكن العبادة ، وفي أيام السبت  والثلاثاء من كل اسبوع ،  موعد إجراء السباق ، يرتادها آلاف المراهنين ، ومن ضجيجهم واحاديثهم عن خيول "الريس " وعضو سابق في  مجلس النواب ،ومع التأكيد على فرضية  حسن نية امتلاك الساسة والمسؤولين  الخيول لإيمانهم بتعليم الأبناء الرماية  والسباحة وركوب الخيل ، ورفضهم استخدامها في المراهنات ،  تثبت  الوقائع" في الريسز"  صحة قول حمادي العربنجي" بغداد مليانة طوايل ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram