"بغداد مليانة طوايل " ، قالها حمادي العربنجي مخاطبا مرهون أبو قنبورة في راوية "النخلة والجيران" ، للكاتب الراحل غائب طعمة فرمان ، قول حمادي فيه من التلميح والإشارات الى الواقع العراقي اقتصاديا وسياسيا في أربعينات القرن الماضي ، ويتضمن ايضا التهكم الساخر المعبر عن الرفض الشعبي لممارسات السلطة بجعل العاصمة بغداد مليئة بمئات الإسطبلات ، يوم كان البغداديون يستخدمون العربات في تنقلهم بين منطقة واخرى ، ومهنة العربنجية شائعة في ذلك الوقت ، وبمرور الزمن فرضت الحداثة حضورها في الحياة العراقية ، وبدخول السيارات بأنواعها اختفت العربات وخيولها ، وتحولت اسطبلاتها الى مبانٍ ، فاختفت الطوايل ، وما تبقى منها في الوقت الحاضر انتقل الى مكان يقع على جانب الطريق الرابط بين بغداد وأبو غريب خارج العاصمة ، وجاء اختيار هذا المكان بعد إغلاق ساحة سباق الخيل "الريسز" في المنصور ، وإنشاء جامع كبير في تلك الساحة لم يتم إنجاز تشييده بعد.
قول حمادي العربنجي وعلى الرغم من اختفاء الطوايل ، ظل محتفظا بفاعليته ، فهو يصلح لكل زمان ومكان يعج بالفوضى والاضطراب الأمني والسياسي ، في وقت ينشغل فيه بعض الساسة فضلا عن مسؤولين بتوفير افضل الأجواء لخيولهم لتحتل المركز الأول في "أول هدَّة" بساق الخيل الأسبوعي .
الذهاب الى ساحة السباق يتطلب عدة شروط أهمها ان يكون بصحبتك شخص يعرف المكان وان تتحمل نتائج الزيارة ،لأنها في الكثير من الأحيان تخفي مفاجآت غير متوقعة ، فليس من المستبعد ان تتعرض لاعتداء من احدهم يعترض على وجودك في المكان لأنك لست من الزبائن المعروفين ، وفي حال مرت الأمور بسلام ، ستشاهد مظاهر لا تخطر على البال ، فبجوار ساحة السباق توجد قاعات كبيرة ، اسطبلات كانت مخصصة لخيول مسؤولين سابقين استولى عليها أشخاص يشغلون مناصب مهمة في الدولة ، والسايس المكلف برعاية تلك الخيول يرفض الحديث عن أصحابها ، ولكنه مقابل مبلغ 5 آلاف دينار يكتفي بالقول بان المالك" الريس" استولى على اسطبلات عدي صدام حسين.
بالقرب من اسطبلات "خيول الريس " افتتحت روازين في الجدران لبيع المشروبات الكحولية بأنواعها وبأسعار الجملة ، تقدم خدماتها للزبائن في كل الأوقات ، وبإمكان الشخص ان يحتسي ما يشاء بقرب عربة بائع اللبلبي دون اعتراض من احد ، فالممنوعات مباحة في الطوايل وبعض سكانها من النازحين من حي الطرب في البصرة ، والكمالية في بغداد ، استقروا في هذا المكان وجددوا نشاطهم لاستقبال الزبائن مع تقديم عرض مجاني لإظهار مفاتن النساء من مختلف الأعمار ، لتشجيع الزبون على اختيار إحداهن مقابل 25 الف دينار، والسعر خاضع للمساومة بشرط الامتناع عن التصوير .
الطوايل خالية من وجود رجال الأمن ، وأماكن العبادة ، وفي أيام السبت والثلاثاء من كل اسبوع ، موعد إجراء السباق ، يرتادها آلاف المراهنين ، ومن ضجيجهم واحاديثهم عن خيول "الريس " وعضو سابق في مجلس النواب ،ومع التأكيد على فرضية حسن نية امتلاك الساسة والمسؤولين الخيول لإيمانهم بتعليم الأبناء الرماية والسباحة وركوب الخيل ، ورفضهم استخدامها في المراهنات ، تثبت الوقائع" في الريسز" صحة قول حمادي العربنجي" بغداد مليانة طوايل ".
خيل الريِّس
[post-views]
نشر في: 22 يناير, 2014: 09:01 م