اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > من علامات انقراض الجيل التشكيلي العراقي الستيني

من علامات انقراض الجيل التشكيلي العراقي الستيني

نشر في: 24 يناير, 2014: 09:01 م

1ـ عن المتحف الفني وهمومه  نبهني أحد الفنانين التشكيليين العراقيين المغتربين، في مداخلة له على الفيس بوك. بمناسبة لقاء التشكيليين العراقيين والعرب في بغداد، وكفعالية من فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية. في مداخلته، أو بالأحرى مقترحه الذي ألخ

1ـ عن المتحف الفني وهمومه 

نبهني أحد الفنانين التشكيليين العراقيين المغتربين، في مداخلة له على الفيس بوك. بمناسبة لقاء التشكيليين العراقيين والعرب في بغداد، وكفعالية من فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية. في مداخلته، أو بالأحرى مقترحه الذي ألخصه في ما يأتي( أن تتبنى دائرة الفنون دعوة ثلاثين فنانا عراقيا مختارا من فناني الداخل والمهجر، وان تكون فترة إقامة الفنانين بحدود أسبوعين، وذلك من اجل إنجاز أعمال فنية في هذه الفترة الزمنية المحدودة،ثم من الممكن أن تبقى هدية لدائرة الفنون، ولتؤسس للمتحف التشكيلي الحديث المرتجى.)
قبل ذلك اقترح أحد النقاد التشكيليين إنشاء متحف للفنانين العراقيين المغتربين، لكي لا تضيع نتاجاتهم الفنية. كما اقترح مدير عام دائرة الفنون التشكيلية ، في حديث له لإحدى الصحف العراقية أن تضيّف الدائرة معارض الفنانين، ليتبرعوا ببعض نتاجاتهم للمتحف، المعجزة ! 
هناك اقتراحات أخرى كثيرة، بنوايا مختلفة. لكن كما أعتقد، فإنها تفتقر للتوجه المؤسساتي التقني بإجراءاته الواقعية، التي تؤسس لبناء متحفي تشكيلي حديث ومعاصر، يتناسب وحجم حصيلة المنجز التشكيلي العراقي المتشعب والمتشتت المصادر، بدأ من اعتماد كادر المتحف الذي يملك المعلومة التقنية التي توازي ما لدى نظائره من كوادر المتاحف العالمية. وهذا أمر مهم. فليس بإمكان إدارة لا تميز بين عمل تشكيلي حديث وآخر معاصر. ولا تميز بين عمل منتحل أو مزور، وعمل أصيل متميز.كما علينا أن نستفيد من أخطاء تجاربنا السابقة في هذا المجال،منها بدائية الأرشفة التي أفقدتنا المعلومة الموثقة بوسائل التوثيق المتقدمة، ومنها الرقمية. وكان من نتائج ذلك أن تبخر أرشيفنا التشكيلي الحديث. وتشتت معلوماتنا عنه، بل مسحت ذاكرة التشكيل العراقي بشكل كارثي، نتيجة بدائية الوسائل وعدم توفر المكان المناسب لخزن الأعمال، مما أدى إلى أن ندفع ثمنا باهظا نتيجة حجم الأضرار التي لحقت بالأعمال المخزونة، أو الإرث المخزون، إضافة إلى أن ترميم الأعمال لم يتم كما في متاحف العالم.
قبل الإجابة عن الاقتراحات المذكورة، يجب أن نبعد هذا الصرح المقترح،عن كل محاصصة حزبية، كما هي معظم مؤسسات الدولة الحالية التي لا تمثل إلا شخوصها ومرجعياتها الحزبية أو الفئوية. المتحف مؤسسة وطنية تمثل الهوية الثقافية الفنية لبلد اسمه العراق، وليس لحزب أو فئة معينة، ويشمل كل الأجيال الفنية. في دول العالم المتحضرة يتم تعيين مدراء المتحف من خيرة مثقفي البلد الموسوعيين والحريصين على إرث بلدهم، ولهم إلمام واسع بمفاصل عملهم بالتوازي والذائقة الفنية وحراكها المستقبلي. كما يجب أن يتمتع، إضافة إلى ذلك بكاريزما شخصية تواصلية وإدارات المتاحف الخارجية لمد الجسور في ما بينهما وبين منجز التشكيل العراقي، فنحن أولا وأخيرا نعيش ضمن حاضن عالمي تواصلي. ألا يكفينا ما فرضناه من عزلة على نتاج شخوصنا العراقية المبدعة؟!
رجوعاً لتساؤلاتنا:
أن نقيم ورشة فنية على عجالة كما المقترح الأول، وندعو الفنانين لها ، ثم ُنودِع ما أنتجوه المتحف. بالتأكيد فإنه أمر مستهجن ومستجد على السلوكيات المتحفية. فالمتحف انتقائي أصلا، لأفضل مراحل الفنان، إن لم يكن أفضل نتاج عمره. كما أن مثل هذه الورش يغلب عليها الطابع الارتجالي الاستعراضي، وتفتقد أصلا نضج الفكرة، وفرادة لحظة الإنتاج الملهمة، تفتقد لديالوج الذات وصفاء وتوفر زمن التعبير وشروطه التأملية، والكثير من السلوكيات الخصوصية الأدائية لمعظم الفنانين، فهل تستحق أعمال الاستعراض الارتجالية والصدف واللحظية، حاضنا متحفيا ، أنا أشك بفاعلية ذلك.
أما مقترح متحف فناني الشتات الاغترابي. فأي رقعة من رقاع الأرض تكون مستقره، وأي مؤسسة تتولاه، ومدى فاعلية وظيفته التواصلية وبلد الفنان الأصلي. وإن كان في العراق، فبالتأكيد سوف يكون مساحة مشتركة وبقية فناني الداخل، كما هي بقية المتاحف الفنية العالمية. فما جدوى المقترح، وسط فوضى الإجراءات وتشتت الأمكنة، وإعاقة الجهد الثقافي الفني العراقي وتشتته بشكل عام.
أما مقترح المؤسسة الوزارية، فأعتقده ساذجا، ويفتقر للإجراءات الفعلية لعملية بناء مؤسساتي لمتحف تشكيلي عراقي معاصر يستوعب أعمال خيرة التشكيليين العراقيين المعاصرين المفترشين رقعة العراق وجغرافيا العالم. وإن لم تكن المؤسسة جاهزة، فالسكوت أضمن لها من فعل الترقيع الذي لا يؤسس سوى الهباء، بتبرعات هي أصلا مشكوك في نواياها.
2ـ في طريق الفقدان أو النسيان:
وأنا أتجول في المعرض الاستعادي لفقيد الفن العراقي، المرحوم رافع الناصري، في متحف الفن التشكيلي في العاصمة الأردنية عمان، انتابتني غصة، ثم ذهول. الغصة معروفة أسبابها، لكن مصدر ذهولي هو الذي زاد من حيرتي. فهذه الأعمال الفنية التي هي على قدر فائق من جماليات مصادرها البيئية التي عبرت خلل مصفاة أناقة الأداء وسحر اللون ومفردات النصوص المتدثرة بنثار رقة أطيافه، هو وحده، رافع صانعها ومؤولها ضمن منطقة إلهامه التي نماها عبر كل أزمنته الإبداعية الأنيقة المتعاقبة. معلم الفن العراقي هذا، هل ضاقت به كل مساحة بلده من شماله لجنوبه، حتى التجأ نتاجه الراقي هذا لبلد مجاور، فسح المجال له ولغيره من عراقيي ما سمي بالمهجر أن يستوطنوه إبداعا متواصلا. أليس من الأجدر أن ترد أعماله إلى حاضنتها الأصلية(العراق) قبل أن يشتت هذا الإرث المبجل سماسرة الفن العراقي المعروفين، وغير المعروفين، وتخترقه هجمة المقتنين الخليجيين وأشباههم. فهل بفعلتهم هذه، كانوا مخلصين لرافع، أم هل هي ضرورة أن يتم تشتيت الإرث الفني العراقي بشكل منظم ،منذ أكثر من عقد من الزمن. يبدو أن غفلة المؤسسات الفنية العراقية، أو تعاميها. هو الذي أسس لهذه السلوكيات. لكن، يبقى السؤال إلى متى؟ وإن لم يفت الأوان بعد، في ما تبقى من أعمال الناصري، وهي أصلا علامات لمراحله، يجدر بوزارة الثقافة أن تنتبه لإيداعها متحف الفن المرتجى، قبل أن نفقدها هي الأخرى، ولنساهم في محو الأثر، كما هو حال خطوة الاحتلال الكئيبة الأولى ببعثرة متحف الفنون البغدادي ومسح الذاكرة التشكيلية العراقية التي كنا نتباهى بحجمها وأفضليتها.
حينما أصيب الفنان محمد مهر الدين بنوبية قلبية، وضعنا أيدينا على قلوبنا،خوفا من فقدان رمز آخر من رموز التشكيل العراقي الستيني.هذا يعني أن للزمن سلوكياته الجبرية التي لا تعفي أحدا. وهذا يعني أن فقداننا لأي فنان عراقي ستيني في زمننا العراقي المدلس والملتبس هذا، معناه خسارة لضلع من أضلاع التشكيل الأكثر تأثيرا في مسيرة الفن العراقي، فإن أسس الرواد مسارات الفن التشكيلي الأولى، فإن دعائمها قامت على أكتاف الستينيين. بريادتهم الحديثة، وبمدارسهم التشكيلية المختلفة والمتعددة،بما مارسوه من فعل تعليمي نقل ريادتهم وما تشعب عنها من تأثيرات للأجيال اللاحقة. فهل نترك الزمن يعبر عابثا وغير مبال بما تبقى من نتاجهم وعلاماته البارزة أو ما تبقى منها، قبل أن تندرس هي الأخرى وتتبخر هباء، ونحن نعرف بأن العديد منهم يعانون عللاً صحية قاسية، تمنح للقدر صدفة أو أوان حصاده المر.
في محاولة لاسترجاع لوحة معروفة لرائد الفن التجريدي الهولندي(بيت موندريان) من الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن لدى المؤسسة الهولندية المبلغ الكافي لاستردادها، فما كان منها إلا أن تعلن عن اكتتاب شعبي للتبرع لاسترجاعها. ثم وجدتها قبل عدة سنوات تتوسط جناح موندريان في متحف فان كوخ وسط أمستردام. فهل بإمكاننا أن نسلك هكذا سلوكيات حضارية، ونساهم في استرجاع إرثنا التشكيلي المعاصر المنهوب منه والجاهز، قبل أن تغيبه عولمة السوق وخداع السماسرة. ولو أنا على دراية ولو بشكل بسيط بفقر برجوازينا الطفيليين، وعدم اهتمامهم بمفاصل الثقافة والفن،ما عدا الترفيه الساذج. لكن هل افتقرت مؤسستنا الثقافية الرسمية لحد الإملاق، في عراق المليارات وبعثرتها الجنونية.
أخشى أن يدخل جيلنا الستيني في مرحلة احتضار غير وهمية، ولو أنهم، وهم من جيلي، أتمنى لهم طول العمر. لكن، كما قلت، فإن للزمن أحكامه،وعلينا مسابقة الزمن، لا مسايرته كي يتخطانا. فهل ندرك ذلك حقا؟! سؤال لا يزال يحيرني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ماضي حسن

    لأية هذا المقال الذي كتبه الفنان والكاتب علي النجار .. اريد ان اوضح للأجيال اللاحقة بان جيل الستينيات لهم تحول في تاريخ الحركة التشكيلية العراقية .. اذ تزامنوا مع احداث عربية وعراقية لها اثر كبير في انتهاج اساليب لها خصوصية محلية - ثائرة - ومتمردة على الا

  2. سلام

    علامات الانقراض واقعة واضحة على جيل السبعينيات من التشكيليين كذلك . يقيناً لولا اصرار الفنان العراقي المغترب على مواصلتة مسيرة الفن التشكيلي المعاصر لما كان هناك فن عراقي نفتخر به اصلا.ناهيك الى ان مرحلة اغتراب الفنان وهجرتة كحالة تعتبر مؤقتة لابد لها ان

يحدث الآن

الرافدين يطلق رواتب المشمولين ضمن شبكة الحماية الاجتماعية

بالوثيقة.. التعليم توضح بشأن توسعة مقاعد الدراسات العليا

العدل تعمل على خطة تجعل من النزلاء يكملون دراستهم الجامعية

ارتفاع بمبيعات الحوالات الخارجية في مزاد المركزي العراقي

رسمياً.. أيمن حسين يوقع على كشوفات الخور القطري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram