TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > المقاتلون الأجانب في سورية: تَعقُّب شبكات التجنيد

المقاتلون الأجانب في سورية: تَعقُّب شبكات التجنيد

نشر في: 25 يناير, 2014: 09:01 م

من الصعب التأكد على وجه الدقة من عدد المقاتلين الأجانب الذين يخوضون الحرب في سورية ومن البلدان التي قدموا منها بسبب الطبيعة السرية للشبكات المختلفة المسؤولة عن إرسال المقاتلين السُنَّة إلى تلك البلاد. بيد أن مصادر الإعلام الاجتماعي المنتسبة للجهاديين

من الصعب التأكد على وجه الدقة من عدد المقاتلين الأجانب الذين يخوضون الحرب في سورية ومن البلدان التي قدموا منها بسبب الطبيعة السرية للشبكات المختلفة المسؤولة عن إرسال المقاتلين السُنَّة إلى تلك البلاد. بيد أن مصادر الإعلام الاجتماعي المنتسبة للجهاديين غالباً ما تنشر إشعارات الوفاة للمقاتلين الذين لقوا حتفهم، الأمر الذي يوفر صورة فريدة، وإن كانت غير مكتملة، حول أماكن تجنيدهم وأماكن قتالهم في سورية. إن تَتَبُع هذه الإشعارات وتحليلها يمكن أن يساعد على توسيع نطاق فهم واشنطن لشبكات التجنيد الأجنبية، التي يبدو أن أكبرها يعمل في المملكة العربية السعودية وليبيا وتونس.

كم عدد القتلى؟
منذ أن تحولت الانتفاضة السورية إلى صراع مسلح، أعلن الجهاديون من على حساباتهم على تويتر وفيسبوك، وإلى حد أقل، في منتديات محمية بكلمات مرور عن وفاة أكثر من 1100 مقاتل. وعلى الرغم من أن أجانب آخرين قد لقوا حتفهم أيضاً في سورية، إلا أنه تم الإبلاغ عن وفاتهم من جانب ثوار غير جهاديين، أو وسائل إعلام غربية، أو وسائل إعلام عربية وهي غير مدرجة في هذا التقييم. وتستبعد الأرقام أدناه الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب نظام الأسد.
ويقيناً، فإن المعلومات المستقاة من مصادر جهادية هي معلومات ذاتية، ومن ثم قد يتم إخفاء بعض البيانات لأسباب سياسية، لا سيما التقارير حول تورط العراق. وبعد بيان ما سبق، يوفر هذا التقييم لمحة جديرة بالاهتمام لعالم غامض.
إن المعلومات الأكثر لفتاً للانتباه التي تكشف عنها البيانات الأخيرة هي الارتفاع الكبير في إشعارات الوفاة الإجمالية. ولم تكن المصادر الجهادية قد نشرت من قبل سوى 85 إشعاراً من هذا القبيل بدءاً من شباط 2013، و 280 إشعاراً فقط بدءاً من حزيران. وبمعنى آخر، فإن الأغلبية الساحقة للإشعارات التي يتجاوز عددها 1100 جاءت خلال نصف العام 2012.

من أين يأتي الجهاديون؟
يهيمن العرب على قائمة الجهاديين الأجانب الذين لقوا حتفهم في سورية، كما أن تسعة من بين أعلى عشر دول ممثلة هي من العالم العربي.

 وقد أوردت إشعارات الوفاة خمسين جنسية مختلفة بشكل إجمالي، من بينها عشرون جنسية في أوروبا أو في أماكن أخرى في الغرب. بيد ان الغربيين لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة من المجموع.

 ومن بين أهم الاتجاهات خلال نصف العام الماضي هو الارتفاع في كل من الأرقام الإجمالية للمقاتلين السعوديين الأجانب وعدد السعوديين الذين لقوا حتفهم (الذي يتجاوز بكثير عدد الذين قُتلوا من جميع الجنسيات الأخرى). وهناك حوالي 20 في المائة فقط من إشعارات الوفاة البالغة 1100 التي تصرح بانتماءات لجماعات معينة؛ لذا توفر البيانات نافذة صغيرة فقط حول الجماعات التي ينضم إليها الأجانب. ومع ذلك، فمن بين هذه الإشعارات، تذكر الغالبية العظمى "جبهة النُصرة" و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - جماعتي المعارضة المقاتلتين التي صنفتهما الولايات المتحدة على أنهما منظمتان إرهابيتان. وتم الإبلاغ أيضاً عن مقاتلين آخرين كونهم أعضاء في جماعة "جيش المجاهدين والأنصار"، و "حركة أحرار الشام الإسلامية"، و "كتيبة صقور العز"، و "لواء الأمة"، و "حركة شام الإسلام" وغيرها.
وقد قدّم أكثر من 60 في المائة من الإشعارات معلومات أكثر تحديداً حول بلدة أو محافظة المقاتل، ما يوفر رؤى ثاقبة حول بعض الشبكات الأجنبية. على سبيل المثال، قيل إن خمسة عشر مقاتلاً جاؤوا من محافظة القصيم السعودية، ومن الممكن أن يكونوا قد قدموا من عاصمة المحافظة، البريدة، وفقاً لما أشارت إليه الإشعارات عن وفاة اثنين وعشرين مقاتلاً آخرين. ومع ذلك، تأتي الشبكة الأكبر في مجموعة البيانات هذه من الرياض، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة السعودية مراوغة و/أو تدير ظهرها للنشاط الجهادي الكبير في عاصمتها.

ومما لا يدعو للدهشة أن المدن الثلاث الأكثر ذكراً بعد ذلك تقع في ليبيا، وهي محور رئيس للعديد من المقاتلين الذاهبين إلى سورية. فجماعات مثل "أنصار الشريعة في ليبيا" قد وفّرت التدريب لليبيين وتونسيين وغيرهم من شمال أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، فقد سافر العديد من السوريين إلى ليبيا للتدريب، ثم عادوا إلى وطنهم لاستخدام مهاراتهم الجديدة ضد النظام.
أما المقاتلون من تونس، وهي الدولة التي تأتي في التصنيف الثالث كمصدر لتصدير الجهاديين، فقد كانوا موزعين بالتساوي بين مجموعة أوسع من المدن والمحافظات مما عليه الحال مع المقاتلين السعوديين والليبيين، حيث جاء معظمهم من عدد صغير من المواقع. ويشير ذلك إلى أنه ربما تكون شبكات التجنيد قد اخترقت مساحات أوسع من الأراضي التونسية، وبشكل أكثر عمقاً. كما يشير إلى أن شبكات التسهيل والخدمات اللوجستية الداعمة للمقاتلين المتجهين إلى سورية ربما تكون قد اندمجت في الشبكات الريفية والحضرية القائمة التي أسستها المجموعة الجهادية المحلية "جماعة أنصار الشريعة في تونس".

أين يحارب الجهاديون؟
ذكر نحو 760 إشعار وفاة المكان الذي قُتل فيه الجهادي. وقد لقي المقاتلون الأجانب حتفهم في اثنتي عشرة محافظة من المحافظات السورية الأربع عشرة؛ وكانت طرطوس والقنيطرة المحافظتين الوحيدتين اللتتن لم تمثّلا في إشعارات الوفاة. ووقع بعض أكبر الخسائر في أواخر صيف 2013 في حملة أطلق عليها "تطهير الساحل"، ودارت في اللاذقية - وهي جزء من معقل العلويين التابعين للنظام. ومن بين الجهاديين الأجانب الثمانية والثمانين الذين لقوا حتفهم في تلك المحافظة أثناء الحرب، قتل 50 في شهر آب وحده. لكن بشكل إجمالي، وقعت حصيلة الوفيات الأكبر في محافظة حلب - وهي معقل للثوار وموقع لبعض من أكثر المعارك شراسة.

الخاتمة
إن إجراء دراسة استقصائية لنحو 1500 مصدر إعلامي وحكومي وجهادي بلغات عديدة تشير إلى أن ما بين 3400 و 11000 مقاتلاً أجنبياً دخلوا إلى سورية منذ أن تحولت الانتفاضة إلى ثورة مسلحة. وقد تم اعتقال بعضهم، وقُتل آخرون، بينما عاد آخرون إلى أوطانهم. ورغم عدم توافر المزيد من المعلومات المحددة لجميعهم باستثناء دولة المنشأ، فإن مجرد معرفة المدن أو المحافظات التي جاؤوا منها يمكن أن يوفر إطاراً أساسياً لمنع تدفق الأجانب بشكل إجمالي، بما يسمح للحكومات المحلية بأن تكون أكثر دقة في ردع أو وقف انتقال الأفراد إلى سورية أو إلى أماكن التدريب في دول أخرى. وعلى وجه الخصوص، ينبغي على الولايات المتحدة أن تلفت انتباه تركيا إلى السهولة التي ينتقل بها المقاتلون الأجانب عبر أراضيها. وبطبيعة الحال، تثير أي من هذه الجهود العديد من التحديات بالنسبة لواشنطن. ففي دول مثل لبنان وليبيا وتونس، على سبيل المثال، ربما تفتقر الحكومة المحلية إلى الوسائل أو الإمكانيات للتعامل مع المشكلة. وفي دول مثل المملكة العربية السعودية، قد لا تتوافر الرغبة السياسية لدى المسؤولين للعمل في ظل المصالح المحددة لحكومتهم في الصراع السوري. ومن ثم، يجب على واشنطن أن تتأكد من تتبع المشكلة بنفسها حتى مع عدم تعاون حكومات أخرى بشكل كامل. ويعني ذلك الانتباه إلى المكامن التي قد تنشأ منها التهديدات المستقبلية المحتملة بمجرد عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم، حيث لن ينتهي الحال بإشعارات وفاة لجميع الجهاديين الذين تم تجنيدهم في المناطق المذكورة أعلاه.
*هارون ي. زيلين زميل في معهد واشنطن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

اغتيال مسؤول إيراني رفيع بهجوم مسلح

إغلاق حساب باسم يوسف على "إكس" بسبب تغريدة.. ماذا قال فيها؟

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

حزب الله يشن هجوما "واسعا" وإسرائيل تتوعد

العالم يتنبأ بندرته.. كيف سيكون مستقبل "الذهب الازرق" في كوكبنا؟

مقالات ذات صلة

غزة تحت الحصار.. تقلص المساحة وتصاعد المعاناة الإنسانية

غزة تحت الحصار.. تقلص المساحة وتصاعد المعاناة الإنسانية

متابعة/المدىيعاني سكان قطاع غزة من تفاقم الأوضاع الإنسانية مع تقلص مساحة القطاع إلى حد بعيد، بسبب تصاعد التوترات والنزاعات. وأدى هذا الوضع إلى تفاقم الأزمات المعيشية للسكان، بما في ذلك نقص حاد في الموارد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram