TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بعيداً عن السياسة

بعيداً عن السياسة

نشر في: 26 يناير, 2014: 09:01 م

كانت "حميدة" نجمة من نجوم قريتنا التي يسميها أهلها "الرَحَمَه"، وهي من القرى التابعة لناحية جصّان في لواء الكوت، كما كان يسمى آنذاك. في تلك القرية عشت عاما كاملا حيث اصطحبنا والدي الى هناك عندما تعين فيها معلما. كان جمال حميدة الأخّاذ واحدا من أهم أسباب نجوميتها. لكن ذلك، بالنسبة لي، لم يكن سببا لتعلقي بها.
لم اكتشف سر تعلقي بتلك القروية إلا في أيام دراستي بدار المعلين بالحلة. اشتهر اسمي بين الطلبة لا بسبب اني كنت متفوقا دراسيا، بل لأني كنت "موسوعة دارمي" كما كان يسميني زملاء الدراسة. لم يكتفوا بذلك بل أطلقوا علي لقب شاعر لأول مرة في حياتي رغم اني ما كنت قد كتبت قصيدة بعد. اغلبهم تصور ان ما أقوله من دارميات قد الفته انا. والحقيقة كان كل ما حفظته قد سمعته من "حميدة".
كانت عندما تزورنا تتوافد علينا بنات ونساء القرية وتبدأ الدارميات. مناظرات ومسابقات لتشخيص أجمل النصوص وأعذبها. حميدة هي المتفوقة دائما. كنت رغم صغري أصغي لها جيدا. أدوّن ما أسمعه منها واحفظه بسرعة، وأقلدها بطريقة القائه. ومن يومها لليوم، أجد نفسي لا معجبا بالدارمي، بل أعشقه. هل عشقته لأنه اقترن بحميدة، أم عشقت حميدة لأنها اقترنت به؟ لا أدري.
تزوجت حميدة التي حضرت ليلة عرسها، ثم غابت عني سبعة أيام وكأنها سبع سنين. كنت اختلق لنفسي كومة من الأعذار كي أمر بقرب باب بيتها الجديد لعلي أراها. اغلب المرات كنت أعود خائبا. وذات صباح وجدتها تملأ الماء من الساقية التي يسميها اهل القرية "كـود". لا ادري لماذا حين لاحظت "الديرم" على شفتيها والحناء تخضب كفيها خجلت وصعب علي الكلام. صارت حميدة امرأة بعد أن كانت فتاة. نادتني فاقتربت منها وضمتني لصدرها. شعرَت بارتفاع حرارة وجهي فغرفَت ماء من " الكـود" بكفيها وسقتني. ماء معطر امتزج بلون الحناء والعطر. بينما كنت ارتشف الماء ببطء متعمد غنت حميدة بصوت اقرب الى الهمس:
تعطش وشربك ماي بچفوف اديه
مضت الأيام علي ثقيلة بغيابها اذ ما عادت تأتي لبيتنا مع النساء في العصريات. لكني، ذات يوم، فوجئت بسماع صوتها في دارنا بعد عودتي من المدرسة. فهمت ان زوجها قد سافر فاغتنمت الفرصة لتزور والدتي. سمعتها تبكي فتسللت لأفهم السبب فلم أدرك سر بكائها.
عندما حل الليل سألت أمي: لماذا كانت حميدة تبكي؟ رجلها طلع مو خوش آدمي. خلي تعوفه. لا أتذكر كيف كانت إجابة أمي لكني أتذكر دموعي التي تساقطت ثم غفوت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram