سعد احمد
عاش العراقيون ردحاً حافلاً بالخراب، وهم يواجهون مكرمات صدام حسين، فضلة من جود خيرات البلاد التي يتصرف بها على هواه، او موتاً في سبيل "الثورة وقيادتها" او دعوة للماجدات للتضحية بأزواجهن الذين يتسرب الشك من عيونهم في الولاء للقائد الضرورة. وأصبحت تلك المكرمات، خصوصاً العطايا مهما هزُلت، مصدرا لمعاش ورفاهية العوائل والافراد، ممن يشملهم القائد بعطفه، وتحولت مع غسيل الدماغ العام، الى ثقافة سائدة، لا تشوبها شائبة او عيب او تجاوز للحقوق.
وتطلع الناس الى عهدٍ جديد، تختفي فيه مظاهر التجاوز على الحرمات والكرامات، بعد ان اصبح لهم دستور، شرّع لنظام ديمقراطي تداولي، وفصل بين السلطات الثلاث، وافترض ان القضاء، وهو السلطة المعنية بالحقوق والدستور، سيتصدى للمخالفين، ويذود عنهما.
واقتنع العراقيون، منذ تولى المالكي ولايته الثانية، ان التمني في ظل قاعدته في الحكم، اذا لم يُشفع بالعمل والتمسك بالشرعية الدستورية، ومبادئ النظام الديمقراطي، هو كما يقول المثل الدارج، "رأس مال المفلس"!
لم يكتف الحاكم المتفرد بسلطته وقراراته، والمتحدي لكل سلطة وقانون، بتفكيك الحياة السياسية، وتدمير اسس العمل المشترك، وحرمان الشعب من اي منجزٍ حياتي، او خدمات ضرورية، بل منح نفسه سلطة تبديد المال العام، كيفياً، واعادة دورة العطايا والمكرمات، التي كان من المفترض ان يتناساها الناس في الحقبة الديمقراطية.
وقد لا يعرف البعض، ان المكرمة، هي ظاهرة تنال من كرامة الانسان وتحط من قدره، وتظهره بمقام التابع الذي لا حول له ولا سلطة على ثروة ومقدرات بلده، بل هو محكوم بالانصياع لنزوات حكامه.
وفي موقف مريب، يسكت قادة الكتل عن كل الخروقات التي يقوم بها رئيس مجلس الوزراء، عشية اطلاق الحملات الانتخابية، التي يتحتم فيها توقف الحكومة عن اي نشاط ينطوي على دعاية انتخابية، بل تعمد الدول الديمقراطية، الى تحويل الحكومة الى حكومة تصريف اعمال، ان لم تستطع تشكيل حكومة تكنوقراط محايدة للاشراف على الانتخابات دون الترشح لاي منصب.
وقد اطلق السيد المالكي، منذ اسابيع، حملة مكرمات شملت حتى الان عدة محافظات، وزع خلالها الاراضي على "الفقراء"، وقام بتعيين عشرات الالاف دون ان تكون لهم اموال معتمدة في الموازنة، وربما اعتمد على مناقلة في اموال مخصصة لاغراض اخرى، لا يجوز له القيام بها، وأوعز لافراد متنفذين، بطباعة كميات من صوره وتعليقها في السيطرات والطرق العامة ومداخل ومخارج المدن، وربما في الارياف والاصقاع النائية.
ما اثار انتباهي، واقلقني، تصريحه المربك بان من حق كل مواطن ان يكون له "سكن"!
واذا علمنا ان حق المواطن ان يكون لمدينته مجارٍ، تحفظ بيته من الغرق، وهو ما لم يتحقق رغم بقاء المالكي لدورتين، ناهيك عن الكهرباء والماء الصالح للشرب، مع ضياع مئات مليارات الدولارات، فكم يحتاج تحقيق شعار "لكل مواطن بيت"..!؟
ذكّرني هذا الوعد الجديد، بحوار جرى بين صديق بلغ الثمانين من عمره، وقريب شاب له. قال الصديق المعمر: نويت ان ازرع ثلاث شجرات من اشجار الجوز! (شجرة الجوز تحتاج بين عشرة وخمسة عشر عاماً). فما كان من قريبه الا ان يقول له: "حجي اني انصحك تزرع كرفس"!
هل لمكرمات المالكي قاعدة دستورية أو علاقة بالنظام الديمقراطي؟!
[post-views]
نشر في: 26 يناير, 2014: 09:01 م