ذات مرة قرأت في مسرحية لكاتب أمريكي عبارة يقول فيها "إننا نضيع نصف عمرنا في انتظار الأوتوبيس"..ماذا تراه سيقول لو قضى نهارا واحدا وسط ازدحام عراقي؟
منذ ايام يتواصل الزحام في شوارع بغداد بصورة لامثيل لها لدرجة ان عدد الأفراد الذين يترجلون من المركبات ويكملون طريقهم سيرا على الأقدام اكثر من الراكبين في المركبات ، أما أصحاب المركبات انفسهم فيحاولون تسلية انفسهم بسماع ( تحشيشات ) مقدمي البرامج الاذاعية ( الفايخين ) او إرغام الركاب على سماع البومات كاملة لاغنيات تعكس ذوقهم الخاص ، اما اذا كانوا من –المتذمرين – فسيواصلون اطلاق –اوووووف – طويلة بين (صفنة ) واخرى يليها سيل من الشتائم والسباب على من كان السبب في الزحام ..المهم ان أعمار العراقيين تتبعثر يوميا وتتسرب من بين اصابعهم وهم يخرجون من زحام ليدخلون في زحام آخر وهكذا.
من جانبها ، تعمل اغلب الدوائر الحكومية على التساهل مع موظفيها فلا مانع ان يتاخر الموظف او يتغيب اصلا عن دائرته وقد يسمح بعض المدراء بخروج الموظف قبل انتهاء وقت الدوام الرسمي ليسبق الازدحام الاكبر الذي يرافق (حلة ) الموظفين ..وبهذه الطريقة يمضي العراقيون ايامهم في انتظار ( الكيات ) او الاستعانة بصبر ايوب وهم يستقلون سيارات الاجرة اومركباتهم الخاصة وليس مهما ان يكمل الموظف معاملات المراجعين الذين سيعانون من نفس الازدحام ومن عراقيل اخرى لو قيل لهم (تعالوا باجر ) ، وليس مهما ان ينتج العامل اكثر او ان يفهم الطالب درسه فالوقت لم يعد من ذهب ولم يعد كالسيف الذي يقطعنا ان لم نقطعه ..الوقت في هذه الايام اكثر تواضعا فهو يسفح على الأرصفة ببساطة وتسفح معه كرامة العراقي وصحته وراحته..
على احد الأرصفة ، كان يجلس بعض عمال "المسطر" بانتظار ان يأتي احد لاستدعائهم للعمل عنده .. ابتدأ احدهم حديثا طريفا فقال : ماذا لو كنت انا الان رئيسا للبلد ..رد الثاني : ليش لا ..انت مواطن صالح وتحب بلدك ..يمكنك ان تكون رئيسا..قال آخر : "ماذا ستقدم لنا ؟" ..ضحك الاول منتشيا وكانه بدأ يتقمص الدور وقال : " سألغي المساطر وامنح الجميع فرص عمل متساوية ..رد الثاني : واذا اراد احد ان يستأجر عمالا فأين يجدهم : وجد الاول السؤال محيرا فبحث عن اجابة ثم قال : سأقيم لهم نقابات لضمان أجورهم ..والمهم ان الغي المساطر والوقوف في حر الصيف وبرد الشتاء لما في ذلك من إذلال ...قاطعه احد العمال قائلا : اهذا كل شيء ؟...انتبه الاول كمن استيقظ من حلم وقال : لقد فكرت في نفسي ومن معي فقط ونسيت مشاكل بقية المواطنين ...ثم استنكر قائلا : انها مهمة عسيرة وانا اتنازل عنها ..لا اريد ان اكون رئيسا ..هنا ضج الجميع بالضحك فحين يصبح الحرمان والألم هما الحياة تطغى على الناس روح السخرية فيفتعلون المرح لأن قلوبهم دامية ، كما انهم يفترضون ان حكومتهم هي التي عليها ان تقلق بشأنهم وتحقق لهم مطالبهم وألا تفكر في نفسها ومقربيها وتهمل بقية المواطنين فالإهمال هو العدو الاكبر للشعوب والحكومة التي تحكم بالكلمات لن تكسب شعبها لأن الكلمات لم تملأ معدة جائع يوما!
لوكنت رئيساً ...
[post-views]
نشر في: 27 يناير, 2014: 09:01 م