TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ارحموا السيسي

ارحموا السيسي

نشر في: 27 يناير, 2014: 09:01 م
كلما قرأت هذه الأيام صحيفة مصرية، ورقية أو الكترونية، أو شاهدت فضائية مصرية، اجتاحني شعور عميق بالخوف.. هو ليس خوفاً على مصر، فالثقة عالية بالشعب المصري وقواه السياسية والمدنية الحية.. لأكثر من قرن ومصر تصنع للعرب تاريخهم، وستظل كذلك أمداً طويلاً. 
خوفي هو على وزير الدفاع الفريق (أصبح الآن مشيراً) عبد الفتاح السيسي الذي سيكون الرئيس التالي لمصر اذا ما ترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، فالواضح ان المزاج العام للمصريين يتجه على نحو عارم مع تولية رئيس المؤسسة العسكرية هذه المرة أيضاً رئاسة الدولة.
أكثر ما يُفزعني في ما تنشره الصحافة المصرية، القومية والخاصة، وما تبثه الفضائيات المصرية، قومية وخاصة أيضاً، هذا المديح المنفلت للسيسي والاطراء غير المنضبط لخصاله والثقة المطلقة بقدرات تُنسب اليه ربما تفوق قدرات البشر.
الفريق السيسي رجل طيب وضابط وطني.. لا شك في هذا، لكن لماذا يتعيّن رفعه الى مستوى الفراعنة وترقيته الى مرتبة الآلهة لأنه جعل المؤسسة العسكرية تقف الى جانب الشعب في معركته مع مختطفي ثورته، الاخوان المسلمين؟
لابدّ ان جمال عبد الناصر كان في الأصل رجلاً طيباً وضابطاً وطنياً، بيد ان الدعاية صيّرته تدريجياً دكتاتوراً ارتكب الكثير من الاخطاء والخطايا التي بررها له صحفيون وإعلاميون ظلوا يحثونه على السير في طريق غير تلك التي كان من المفترض أن يمشيها مع زملائه من الضباط الاحرار، فانقلاب، أو ثورة، 23 يوليو (تموز) 1952 كان يتعيّن أن يُحلّ ديمقراطية حقيقية بدل الديمقراطية المزيفة التي كان عليها العهد الملكي، بيد ان عبد الناصر استبدل بتلك الديمقراطية الناقصة دكتاتورية مستبدة أوقعته في تلك الأخطاء والخطايا المُكلفة.
أخشى أن يُعاد، مع انتخاب المشير السيسي رئيساً لجمهورية مصر، المشهد الذي عاشته مصر مع عبدالناصر، وهو مشهد استنسخه عساكر العراق وسوريا والجزائر واليمن والسودان وليبيا، فكان الأمر برمته وبالاً على شعوب هذه البلدان جميعاً لم تزل تدفع عنه ثمناً باهظاً. 
لا عبرة في وجود دستور مستفتى عليه، فالذين في السلطة في بلداننا لا يُعدمون عادة الحيلة والوسيلة للالتفاف على أحكام الدستور مستعينين بـ "وعاظ السلاطين" في المؤسسة القضائية والمشيخة الدينية.
أخاف على المشير السيسي أن ينقلب وسط هذا الكرنفال الدعائي الصاخب بمديحه واطراء خصاله من رجل طيب وضابط وطني الى دكتاتور يعاد "انتخابه" المرة تلو المرة فيغدو حاكماً مطلقاً لا يسمع غير ما تريد له البطانة أن يسمع ولا يرى الا ما تراه البطانة أيضاً.
أيها الصحفيون المصريون.. ارحموا السيسي رجاءً وارأفوا بحاله وحال مصر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. خليلو...

    خوفك في محله تماماً ونحن في محيط اسلامي -عربي بمكنته انتاج وخلق اي شيئ خاصة في حاضره ولكن الا يمكن حصول استثناء في هذا الامر كالاستثناء الذي حصل مع عبد الرحمن سوار الذهب ألذي أزاح النميري من الساحة ثم ترك الحكم ومع ذلك ارجو ان لا يظهر ناصر جديد مثل الاول

  2. جودت هوشيار

    في مقال لي نشر في منتصف آب الماضي تحت عنوان عش ودع غيرك يعيش قلت فيه حرفياً ما يلي : من اجل تحويل حاكم يحترم نفسه و شعبه الى أنسان آخر لا يحظى بثقة شعبه ، ينبغى بذل جهود متواصلة و كبيرة . وهى جهود تحتاج الى أناس من صنف خاص ، الى خبراء ومستشارين . أ

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram