ظل محمد مرسي أمس يصرخ في وجه القاضي كلما سأله سؤالا: "أنت مين يا عمي؟.. أنت عارف أنا مين"؟ .. فقد اكتشف محمد العياط أن المحكمة لا تعرف من هو الرئيس الذي مارس الفشل لمدة عام، والذي ظل يؤمن حتى الساعات الأخيرة ان حكمه باق ومزدهر.
تصور مرسي أن صراخه سيغير مجرى الأحداث، فهو قد تعود الالتصاق بكل شيء، ظل خلال فترة حكمه يحارب من اجل أن يحول مصر إلى دار للخلافة، وأفهم نفسه بان العناية الإلهية معه، ولم يجد جوابا حين سأل صحفي مرة عن اولوياته السياسية والاقتصادية في الحكم إلا أن يقول: الشريعة ثم الشريعة.. ثم الشريعة.
ومثله مثل العديد من قادة جمهورياتنا الحديثة يعتقد مرسي أن البلدان التي يحكمونها تعيش في عصور الجاهلية، وقد قيض الله لها رجالا ليعيدوها الى طريق الصواب، ولهذا ليس مهما توفير التنمية والازدهار والتعليم والصحة للناس، فهذه اشياء زائلة لايجوز الانشغال بها، فمهمتنا اليوم مهمة مقدسة وهي دحر كل القوى التي تنادي ببناء الدولة المدنية، الم يخبرنا المالكي ذات يوم إن حزبه استطاع أن يدحر الماركسيين والعلمانيين والحداثويين وان ينتصر عليهم؟
في مقابل صورة مرسي في القفص الزجاجي، اليكم هذا الخبر من بلاد الكفار،حيث طالبت لجنة في البرلمان البريطاني، الملكة إليزابيث الثانية بفتح قصرها الملكي في لندن أمام مزيد من الزوّار، لتغطية مصاريف قصورها الأخرى، استمعت الملكة لتقرير البرلمان، ولم تتهم أعضاءه بانهم يناصرون "داعش" وينفذون اجندات خارجية، كما لم تقل لهم إنها وريثة السماء، ولم تطلب من النواب الهتاف بحياتها.. لكنها اشعرتهم أنها معهم وبهم قادرة على أن تصبح جزءا من التغيير والتطور الذي يشهده العالم.. كيف استطاعت هذه المملكة الكافرة "بريطانيا" التي لايذهب قادتها الى الحج كل عام، ولا يلبسون "المحابس" ولايرفعون اللافتات الدينية ، ان تقدم للعالم نموذجا للعدالة الاجتماعية واحترام القانون ، يقول وزير خارجية بريطانيا في حوار مع صحفي: "إن السبب الذي جعل المملكة ناجحة وقادرة على البقاء كل هذا الوقت هو قوة مؤسساتنا، سواء المؤسسة الملكية أو هيئة الإذاعة البريطانية أو البرلمان، لدينا الكثير من المؤسسات القوية والمحترمة التي بنيت على المدار الطويل ولم تهدم من قبل حركة سياسية أخرى".
قبل خمسة وأربعين عاما نفي ديغول نفسه إلى قرية في الجنوب الفرنسي كي يكون بعيدا عن مجرى الأحداث هناك يكتب في مقدمة مذكراته "لاشيء أهم من بلاد مستقرة"، كان لا يملك اكثر من أن يمازح الفلاحين حول محاصيلهم، ويجلس ليسطر، مذكراته التي اسماها "مذكرات الأمل" الأمل بفرنسا أكثر تطورا وازدهارا وعافية.
لم يكتب نيلسون مانديلا كلمة واحدة في مذكراته عن الظلم الذي لحق به، بقدر ما كتب عن التسامح والحب: "في أحلك أوقات السجن حينما كنت أساق إلى حافة القدرة على الاحتمال كنت أرى وميضا من الإنسانية في احد الحراس، ربما لمدة ثانية، لكن كان ذلك الوميض يطمئنني".
في عراق اليوم يصر المالكي ومن ومعه على المضي قدما في إعادة إنتاج نظام استبدادي لايسمع الا صوته، وصدى اصوات المقربين منه ، إنها نفس الرحلة التي قطعها قادة الجمهوريات العربية الحديثة، حين أصبح كل واحد منهم يعتقد نفسه لسان الشعب وحال الشعب والحاصل على تفويض الشعب، لتكون النتيجة في النهاية انهم يلغون الشعب بأكمله.
يريد لنا البعض اليوم ان نظل غارقين في القضايا المصيرية، كأحقية ايران في بناء مفاعل نووي، وقدرة بشار الاسد على دحر معارضيه، والسعي الى استنساخ تجربة جزر القمر، لاوجود لقضايا تهم الناس، كالخدمات والامان والصحة وتطوير التعليم. لا يمكن أن نغفل دورنا الحيوي والمؤثر في مسيرة الشعوب كما يريد لنا عباس البياتي، ولا يليق بالعراق ان يهتم بشؤون مواطنيه ويترك ما يجري في البحرين والسعودية.
ياسادة، مبروك عليكم ان لا احد يستطيع اصدار امر بالسماح للمواطن العراقي بدخول المنطقة الخضراء او المرور من احد الشوارع القريبة منها، ومبروك لكم انكم حافظتم على مكانة العراق في سلم الفساد وغياب الخدمات وفوضى الامن.. لأن العراق من دونكم لا مكان له على خارطة الدول السعيدة.
ايها السادة: الى متى سأعيد كتابة هذا العمود؟ لاقول لكم ان لله لا يختار الحكام..الشعب يختارهم.. ثم يصحح اختياره بإقصائهم.
الى متى ساعيد كتابة هذا العمود ؟
[post-views]
نشر في: 28 يناير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
محمد سعيد العضب
لمن تنادي يا اخي الكاتب . فالفكر السائد الان ( ان وجد) في عموم مجتمعات الشرق الاسلامي قد اصبح متحجر , غاب عنه الايمان بالحاضر و المستقبل, حينما تحول الماضي العتيد غير المؤكد او المعلوم الي طريق الرشاد . فالماضي في خيال النخب المتسلطه حالي
رعد الصفار
المنطقه الخضراء = السراقين+المزورين+فاقدي الضمير والاخلاق+المرتشين+اشباه الرجال والنساء ما نحتاجه اليوم هو مكنسه لكنس هذه المنطقه
سهام داود
استاذ علي اتمنى ان يكون السطرة الاخير من المقال شعار عسى ان يحرك ادمغة المغيبين بتصحيح اختياراتهم القادمة (ان الله لايختار الحاكم الشعب يختارهم ثم يصحح اخياره باقصائهم).