TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تونس وربيع الديمقراطية

تونس وربيع الديمقراطية

نشر في: 28 يناير, 2014: 09:01 م

بعد ثلاث سنوات على اندلاع أول ثورات الربيع العربي، وبعد عامين من التجاذب السياسي والفوضى الأمنية، أجمعت القوى السياسية وقوى المجتمع المدني على دستور بديل لما كان قائماً، ووُلدت حكومة جديدة، بعيدة عن اللون الحزبي الذي صبغ حكومات ما بعد عهد بن علي، وكان للشارع التونسي دوره البارز في التوافق على الدستور الجديد، حيث انتظم أنصار منظمات المجتمع المدني في تظاهرات ملأت الشوارع، واستجاب لها الإعلام المتحرر من الدكتاتورية، وبما أنقذ التجربة التونسية من الفشل الذي تواجهه تجارب دول الربيع العربي، في الانتقال إلى الديمقراطية حتى الآن، صحيح أن بلد ثورة الياسمين عاشت أزمة سياسية حادة، خلال الشهور الستة الأخيرة، كادت تدفع إلى حرب أهلية، على خلفية رفض التوانسة لتفرد الإسلاميين بالسلطة، واستئثار حزب النهضة بمواقعها الأساسية، وانتهت بتشكيل حكومة مهدي جمعة، ما أكد قدرة الشعب التونسي على التوافق، والانتقال إلى حال من الديمقراطية، بقيادة منظمات المجتمع المدني ذات التجربة العميقة، التي أجبرت حزب النهضة على التخلي عن مشروعه "بأخونة الدولة" والمجتمع، بالضد من إرادة الحرية، التي تمسك بها الشارع وفرضها على الجميع.
بالرغم من أن وفاق التونسيين خطوة إيجابية جداً، فإن بعض المراقبين يرون أنه سيقى وفاقاً هشاً، ما لم تلتزم الحكومة الجديدة بمراجعة التعيينات التي أنفذها حزب النهضة، وحل ميليشيات حماية الثورة، وتطبيق القانون ضد الجمعيات والأحزاب، التي تدعو الى تغيير النمط الاجتماعي للتونسيين، والمعادين للجمهورية، والعمل على تحييد المساجد، والحد من طموحات وزير الشؤون الدينية الجديد، المتهم بميوله إلى الوهابية، من خلال دعوته إلى مراجعة مجلة الأحوال الشخصية، وإحياء قانون الأوقاف الإسلامية، والتنظير للاقتصاد الإسلامي، لكن الأمل قائم بأن تصطدم رؤاه مع بقية الوزراء، الذين لم يسبق لأي منهم تقلّد أي منصب وزاري، وجاء معظمهم من مواقع شغلوها كقضاة وأساتذة جامعيين ومهندسين وخبراء لدى منظمات دولية، ومن بينهم ثلاث نساء، وفنان موسيقي تولى حقيبة الثقافة، والمؤكد ان خلفية هؤلاء، لن تسمح لوزير الدين بفرض أفكاره على الحكومة الجديدة، التي تحظى برضى الشارع، وعدم القبول من طرف حزب النهضة الإخواني.
اليوم تدخل تونس بإرادة شعبها مرحلة جديدة في تاريخها، شعارها المؤسسات الديموقراطية، الضامنة للحرية والكرامة والتداول السلمي للسلطة، وإفساح المجال واسعاً للمشاركة السياسية، وعبر عنها الرئيس التونسي بالقول، إن هذا يوم اكتمال انتصارنا على الديكتاتورية المقيتة التي أطحناها، وفيه نواصل انتصارنا على الإرهاب، الذي حاول عبر عمليات الاغتيال للناشطين المناوئين لأخونة الدولة، إيقاف مسلسل التحرّر الفكري والسياسي، الذي يجسده الدستور الجديد، الذي كتب به الشعب عقداً اجتماعياً جديداً، وفيه تم فرض حكومة جديدة على الغنوشي ونهضته، حيث ظل هؤلاء يناورون حتى اللحظة الأخيرة، وينقلبون على ما تم الاتفاق عليه في الحوار الوطني.
تعبر تونس بدستورها الجديد، الذي ينقل البلاد إلى مرحلة مهمة نحو إنهاء الحقبة الانتقالية، التي بدأت أثناء الثورة التونسية، إلى الديمقراطية في تجربة منفردة، حيث وقف جيشها مع الشعب، لكنه لم يفكر لحظة باقتناص الفرصة، والوثوب إلى موقع الحكم والسلطة، وبحكومتها الجديدة التي يعتبر انبثاقها بصورتها الراهنة، خطوة إضافية في العملية المؤسسة على الإجماع في إطار الحوار الوطني، وبما يسمح بالقول، إن النموذج التونسي يمكن أن يكون مثالاً للشعوب الهادفة الى الإصلاحات، وبما يبعث التفاؤل بالتغلب على حال التخبط السياسي والفوضى في دول الربيع العربي، إن جنحت إلى العقل وتبعت خطى تونس الراهنة، كما تبعت سابقاً انتفاضتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram