كلام اليوم
دون إسقاطات كليّة أو تشبيه مخلّ، تستعيد ذاكرة العراقيين عفوياً مرارات الماضي الذي دام خمسة عقود، ويبدو انه يتوالد كما لو انه قدرٌ يلاحقهم، ليقضّ مضاجعهم، ويحرمهم من بقايا أملٍ يتشبثون بها.
بدّدت الانظمة السالفة، ونظام البعث أكثرها عتوّاً، كل ما تراكم من ثروة العراق، وما أُخرج من باطن الارض واستوى فوقه من خيرات في حروب داخلية وخارجية، وازهقت ارواح نحو مليون عراقي، وملايين من الجرحى والمعاقين والمشردين في بلاد الغير، متصنعة لشنها أزمات وتقوّلات، لا غرض لها سوى خدمة بقائها في كرسي الحكم، وادامة سلطة جائرة.
وكان أملاً كامناً في نفوس الناس، ان تلك المآسي وما كان يدفع اليها قد ولى مع انهيار الطاغية ونظام البعث. الا ان ذاك الامل، ظل كامناً تحت رماد خيباتٍ لا يُراد لها أن تنتهي.
كلما أراد العراقي ان يتجاوز خيبة، ويلتم على ما تبقى له من اسباب التشبث بحياة لا يتهددها الموت المجاني، نزلت عليه بلوىً أمرّ وأشدّ، وبات يتعثر ويلم اشلاء من اجسادٍ بعثرتها جرائم المكفّرين الاوباش، وحاصرته فتنة السلطة ومناوراتها التي تدور حول محور واحد لا يتغير سوى شكلاً، يتمثل في اغتصاب السلطة، حتى اذا اقتضى ذلك التضحية بارواح الناس وممتلكاتهم ومستقبلهم، وإن استوجب اعادة دورة الحروب الداخلية، واثارة الريبة من الخارج، وافتعال ازمات تتحرك على المطامع وليس المصالح الوطنية العليا.
لا يتردد عراقيٌ حقيقي، مهما كان انتماؤه، أو يتهاون في ادانة القاعدة وداعش، وكل فصيل ارهابي، تكفيري او طائفي متوارٍ في عباءة مذهبية، ديدنها القتل على الهوية، واذكاء الفتنة، وجعلها متوقدة، تحميها من خلف الستار دوائر باتت معروفة لا تحتاج الى دليلٍ وقرينة.
ومنذ تفوه رئيس مجلس الوزراء، رئيس ما سُمي بدولة القانون، بعبارته النكدة "ما ننطيها" بدأت دورة من التصدعات في بنية العملية السياسية، وتداعت الاركان الهشة للدولة الفاشلة، وتفككت مصادر السلطات الثلاث، لتتوحد في ارادة متفردة جردتها، بوتائر متسارعة من مضامينها وصلاحياتها ومصادر فعاليتها، ولم يعد من مصدر للسلطة التشريعية قبل غيرها، غير تنفيذ الفرمانات الآتية من الرئيس الفرد، فأي سلطة أخرى يمكن ان يكون لها حول او قرار او ارادة؟
ولو بقي الامر في حدود قضم أركان الدولة الفاشلة والحكومة "المنحنية"، لهان الامر ولاستكان الناس للامر الواقع، كما رضخت لذلك الكتل والسلطات واولياء الامر من امراء الطوائف المتهاونة. لكن السياسة التي باتت نهجاً ثابتاً يتطاير شررها في كل اتجاه، اعادت دورة فجائع العقود الخمسة، وباتت الوسائل المعتمدة لتعميد دورة مشؤومة ثالثة للحاكم المتجبر، صولات قتالية وحروباً تنذر بويلات لا قِبل لنا بها، من حيث تداعياتها على وحدة البلاد ونسيج المجتمع.
وحيث تتعالى اصوات الحكمة الوطنية وهي تدعو لتعبئة وطنية سياسية، تنطلق من رأب الصدع، وتكتيل القوى لاطفاء فتيل الفتنة، واعادة رسم خارطة التوافق والتشارك، والتخلي عن التفرد وما يرافقه من غلو وفساد وتدمير لبنى الدولة الفاشلة، وتمزيق لنسيج المجتمع، تتصاعد حمّى التجييش الحربي، وتتسع دائرة القتال، ويتساقط المزيد من ابناء القوات المسلحة، ويلوذ بنفسه من يستطيع منهم الافلات من كمائن الموت التكفيري، وتتشرذم القوى العشائرية في استقطاب لم يسبق له مثيل، وينتهي الامر الى امتدادٍ مخل لساحة تحرك القتلة والمجرمين من داعش والقاعدة والمتحالفين معهم.
وسط ركام الموت، ونذائر توسع دوائره، يخرج وكيل وزارة الداخلية، احد قادة الدعوة المقرب من رأس النظام، ليبشرنا بان داعش تمتلك من السلاح ما يكفي لاحتلال بغداد.. يا لخيبتنا، ويا لكسيرتنا وهواننا..! ثم تكمل المستشارة بلا حدود التي تتداول المستشارية كيفما تشاء وبتوقيتات لا يعرف سرها غير المتلصصين على مكتب رئيس الوزراء، لتقول لنا، ان عديد داعش بلغ نصف مليون مقاتل..! يا ويلنا..
لو ان لنا شبه دولة، وان تكن فاشلة، ولو ان لنا حكومة شبه راشدة، ولو ان لنا سلطة قضائية تراقب مصائر البلد وتحمي مقتضيات الدستور، لوضع الاثنان في السجن الاحتياطي بلا محاكم، لانهما بما قالا اثارا الهلع في نفوس العراقيين، وضعضعا معنويات المقاتلين في المعركة..!
وبدل الركون للحكمة والصحوة المتأخرة، يطلب المالكي من الولايات المتحدة مزيداً من الصواريخ "والفشك"، مع ان الخيار السياسي، ماكنٌ من الحل دون اي صواريخ ولا تضحيات..
ليس لنا الا ان نرفع الدعاء، بأن تنجح صولة "دافش" في هزيمة داعش والقاعدة، باقل ما يمكن من التضحية بارواح العراقيين، المدنيين والمجندين..
ثم اين الدستور والبرلمان من هذه الحرب، وتحريك القطعات وتجنيد الالاف، مما لا يجوز دون قرار من البرلمان على اساس الدستور ومقتضياته..!؟
دورة حياة العراقيين في العهد الجديد: أكاذيب وحروب وحرمان..
[post-views]
نشر في: 28 يناير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
عطا الواسطي
الحاكمين و البرلمانيين في العراق الجديد وضعوا الدستور و الدولار في جيوبهم...!المهزلة هي ان يحكمنا(شعيط و معيط و جرار الخيط...)و بدعم من اللذين اجابوهم و عينووهم و نصبوهم على حكم العراق...!!!
سهام داود
المهزلة ان يقبل الشعب المنقسم على نفسه ان تحكمه هذه العصابة واكيد سيعيدون انتخابهم من جديد باسم المظلومية التاريخية