اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > سلوكيات طارئة تهـز المنظومة الأخلاقية للمجتمع وتشوِّه صورته

سلوكيات طارئة تهـز المنظومة الأخلاقية للمجتمع وتشوِّه صورته

نشر في: 31 يناير, 2014: 09:01 م

الساعة تشيرعقاربها الى العاشرة صباحاً والشوارع كالعادة مزدحمة بالحافلات ، المكان الشارع المقابل لمستشفى اليرموك ،يترجل أحد الاشخاص الذي يبلغ العقد الرابع من العمر من سيارة الأجرة صفراء اللون ،يقوم بفتح الباب الخلفي للعجلة  ويمسك بيد امرأة ويسحبه

الساعة تشيرعقاربها الى العاشرة صباحاً والشوارع كالعادة مزدحمة بالحافلات ، المكان الشارع المقابل لمستشفى اليرموك ،يترجل أحد الاشخاص الذي يبلغ العقد الرابع من العمر من سيارة الأجرة صفراء اللون ،يقوم بفتح الباب الخلفي للعجلة  ويمسك بيد امرأة ويسحبها من السيارة بقوة ،المرأة اصبحت خارج السيارة التي سارت ببطء نتيجة الزحام المروري ، الرجل يبدأ بضربها امام الناس وفي وسط الشارع من دون ان يتدخل احد بينهم وهي واقفة تحاول صد اللكمات الموجهة من قبله على وجهها وصدرها وظهرها .. لا أحد يعلم ما السبب حتى القوات الامنية التي كانت مرابطة هناك وقفت تتفرج على هذا المشهد بهدوء ؟ وهناك من قام بتصوير ما يحدث ومنهم من وقف يتفرج وهو مبتسم ويعلق ساخراً مع من يرافقه ،بعد ذلك يقوم الرجل بايقاف سيارة أجرة أخرى ويصعد بها وكأن شيئاً لم يكن والمرأة تصرخ وسط الشارع ولا من مُغيث أو حتى من يقف متسائلا او مستفسراً عن ما يجري!
 
سلوكيات غريبة 
هذه السلوكيات الغريبة التي تنامت في المجتمع العراقي الذي يمكن تمثيلها بالأدغال المتوحشة التي تؤثر بدورها على نمو الأجيال الجديدة.. ما الأسباب التي أدت الى نشوء هذا السلوك في المجتمع؟ فكانت الأجوبة تحمل بين طياتها آلم الحروف، ومرارة الألفاظ، ومعاناة الكلمات. انكفاء الفرد على الذات وقلة الثقة بين الأفراد مما يسبب ضعف العلاقات الاجتماعية ، ظروف أمنية ديمقراطية مفاجئة حلت على المجتمع، فلا عجب ولا غرابة من الصور غير المألوفة التي استعمرت مجتمعنا المتحاب والمسامح والمتآلف ،فالكثير من التقاليد التي تحافظ على رصانة ووحدة المجتمع اصبحت من ارشيف الماضي شأنها شأن العديد من الصور المشعة التي كنا نتباهى بها في ماضينا الجميل، ونقول الجميل لقباحة الصور التي نعيشها في حاضرنا المحبط والمخيب!
وسط الشارع 
يقول عدنان منتصر موظف في احدى الوزارت : إن سلوك الافراد اختلف بعد عام 2003 حيث هناك تصرفات كثيرة شملها التغيير، ومنها ان يقوم سائق سيارة بفتح النافذة ويرمي النفايات في اي مكان يقف فيه وسط الشارع ولا يبالي لمن حوله من الناس وكأنه يسير في الشارع لوحده ،مبينا منتصر ومتسائلا: هل هذا العمل يميزه عن الآخرين ،ولماذا هو اصلا يفعل ذلك ، وهل بمقدوره أن يرمي تلك النفايات وسط بيته ؟ هذا التصرف والسلوك السيء مع الأسف يمارسه الكثير من سائقي السيارات ويديمون فعل ذلك،مضيفا انه في السابق هناك قوانين واخلاقيات تردعه من هذا التصرف او غيره ، فهل شعار (مَن أمن العقاب ساء الأدب) اصبح ديدن البعض في العمل به بحسب قول منتصر.
القوي يأكل الضعيف 
الطبيب الاختصاصي صادق علي اشار الى حدوث تباين كبير وحاد في المجتمع العراقي من حيث ثراء وترف خرافي لطبقة خاصة ميزتها المرتبات العالية للمسؤولين، وبين طبقة اخرى تتميز بالفقر والعوز لأطفال شاحبين يتحسرون على ارتداء ثياب جديدة ولقمة طعام لذيذة ،هذا التباين والحيثيات كما يوضح علي أدت الى إشاعة سلوكيات غير مرغوبة حيث يمكن اختصارها بما يحدث في الشارع عندما يضايق صاحب سيارة تحمل رقم فحص مؤقت مثلا صاحب سيارة حديثة، ومن دون قصد بالتاكيد متعمداً نجد سائق السيارة الحديثة 2013 يترجل تاركا باب السيارة مفتوحاً، وإن كان يحمل مسدساً (علـَّقه)في حزام بنطاله او يبدأ بالوعيد واطلاق الكلمات النابية بحق السائق الفقير الذي يبدأ باطلاق كلمات الاعتذار مع ابتسامة خجل واضحة الارتباك حتى إن لم يكن متعمداً او مخطئاً ! 
هذا السلوك جعل من يملك القوة والمال يتصرف بالشارع كيفما يشاء ولا يحسب حساب القانون لأنه يرى نفسه فوق القانون وكل شيء في الشارع تحت تصرفه .
 
اهتزاز في المنظومة الأخلاقية
بينما أكدت خيرية حسن التي تعمل مدرسة : العراق تعرض الى اهتزازات في المنظومة الاخلاقية بسبب الحصار والحروب قبل عام 2003 وجملة عوامل داخلية وخارجية وكذلك السجالات السياسية المستمرة في البلد فضلا عن الانفجارات والاوضاع الامنية المتردية قد سببت هزات اجتماعية مرعبة واعمال القتل والتهجير البدائية المتوحشة جعلت العراقيون ينتابهم عامل الخوف مرة اخرى ليس من الدولة هذه المرة ، بل من المجتمع نفسه فكل واحد منهم يحاول ان يتصرف كيفما يحلو له وتغير سلوكه واصبح لايهتم لشي او حتى للاشخاص الذين حوله فكيف يمكن ان نفسر ان يقوم شاب او رجل كبير بتصوير فتيات يجلسن في سيارة اجرة (كيا او كوستر) ولا يهتم لخصوصية او سمعة الفتيات وما يحدث الان من فضائح تنشر على (اليو تيوب) ومن ينشرها يتفاخر بعمله هذا ،السلوكيات والافعال هذه تقود الى تحطيم وانهيار اخلاقيات المجتمع والسير به نحو الانحطاط والتخلف بحسب قول حسن .
القانون والعقوبات 
نص قانون العقوبات العراقي 111 الصادر سنة 1969 المادة 413 على من اعتدى عمداً على آخر بالجرح او بالضرب او بالعنف او بارتكاب اي فعل آخر مخالف للقانون فسبب له اذى او مرضا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة التي لا تزيد على ثلثمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين،واذا حدث عن الاعتداء كسر عظم او اذا حصل أذى او مرض أعجز المجنى عليه عن القيام باشغاله المعتادة مدة تزيد على عشرين يوما وتكون عقوبة الحبس اذا حدث الايذاء باستعمال سلاح ناري او آلة معدة لغرض الايذاء او مادة محرقة او ضارة.
عدم الإكثـراث للرجل المسن 
بينما قال ابو حسين وهو رجل يبلغ العقد الخامس من العمر :مع الاسف الان بعض الشباب يفتقد الى الصفات والمرؤة وتولد بدلا عنها الغرور والانانية فكيف يمكن ان نفسر عدم اكتراث الشباب لبقاء الرجل المسن واقفا على قدميه على طول مسافة الطريق في حافلة نقل الركاب وعدم المبادرة ، والنهوض من اجله لإجلاسه في مقعدهم، ويرى امرأة حاملا او كبيرة في السن ويتجاهل أمرها وهي تعاني من الوقوف من دون ان يحرك ساكنا، أن هذه الظاهرة تؤشر بما لا يقبل الشك على انسلاخ القيم ، والأعراف المجتمعية الأصيلة ، فارق السن بين الناس ، واحترام المرأة كلها قيم وواجبات يجب زرعها في الأبناء .
الحرية من دون مقدمات 
بينما قال فارس ياسين متقاعد ويبلغ العقد السادس من العمر :العراقي مارس الحرية من دون مقدمات بعد ان كان مقيداً وهذا كان له الأثر في تدني تلك العلاقات الاجتماعية وظهرت هذه الحالة خصوصا في المناطق الشعبية والنواحي الفقيرة كثيرا، لأن مفهوم الحرية لم يطبق بشكله الصحيح وبسب تردي الأوضاع عندهم بشكل عام وأيضا الجشع الذي دفع البعض إلى فقدان حسهم الوطني كليا نتيجة لوهن العقلية غير الواعية وغير المثقفة!
وأكد سجاد عصام مهندس يبلغ العقد الثالث من العمر : الاسرة اصبحت لا تهتم بإرشاد أولادهم وجُل اهتمامها هو كيفية توفير الاحتياجات المعيشية والكمالية ،اضافة الى عدم المبالاة بالمشاكل الاسرية التي تصيب الطالب في المدرسة اضافة الى ان المدرسة نفسها غاب فيها الوعي الثقافي.
تدني العلاقات الاجتماعية
وحسب التقارير والابحاث التي درست والتي اكدت على انه يمكن تفسير التدني في مستوى العلاقات الاجتماعية ما بعد سقوط النظام سنة 2003 يعود أساسا إلى تدهور الوضع الأمني وظهور العناصر الضالة والأحزاب الطائفية التي عمدت الى تصفية بعض العناصر ذوي الانتماءات المختلفة،فضلا عن التهجير ألقسري الذي انتشر في بغداد وعموم المحافظات ، إضافة إلى الخوف والعنف الذي شمل الحياة الاجتماعية مما أدى إلى البعد الاجتماعي ما بين أفراد المجتمع وفقاً لنظرتهم الخاصة بالمحافظة على حياتهم وممتلكاتهم، ولذا أصبحت ظاهرة التدني في مستوى العلاقات الاجتماعية من الظواهر البارزة في آتون المجتمع العراقي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram