منذ أكثر من شهرين، وساحة الاستقلال في كييف لم تهدأ، ولم يتراجع المحتجون أو يتنازلوا عن مطالبهم، على الرغم من التنازلات التي قدمتها السلطة الحاكمة. كذلك لم يهدأ لروسلانا بال ولم تطمئن. فالمغنية الأوكرانية صاحبة باع طويل في مسألة الاحتجاجات. فهي مدافع
منذ أكثر من شهرين، وساحة الاستقلال في كييف لم تهدأ، ولم يتراجع المحتجون أو يتنازلوا عن مطالبهم، على الرغم من التنازلات التي قدمتها السلطة الحاكمة. كذلك لم يهدأ لروسلانا بال ولم تطمئن. فالمغنية الأوكرانية صاحبة باع طويل في مسألة الاحتجاجات.
فهي مدافعة شرسة عن مطالبها، وبمثابة ملهمة للعديد من الشباب الذين نزلوا إلى الساحات مطالبين باستقالة الحكومة، ومنددين بالإجراءات التي اعتبروها تعسفية من قبل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش. حتى أنها هددت بحرق نفسها في بداية الاحتجاجات إذا لم تتجاوب السلطة مع مطالب الناس والمحتجين الساعين إلى "التطلع نحو الغرب بدل الالتصاق بالنظام الروسي"، بحسب تعبيرها.
المرأة السمراء الجذابة التي عينت سفيرة لليونيسف في العام 2005، لتصبح حاملة للقب "المدافعة عن حقوق الأطفال" في بلادها وحول العالم بالتعلم والحياة الكريمة الخالية من المخاطر، أضحت من أبرز قادة المعارضة. ولعل هذا ما دفع وزير الخارجية الأميركية، جون كيري للقائها امس السبت في ألمانيا ضمن لقائه بأبرز قادة المعارضة الأوكرانية، على هامش مؤمر الأمن في ميونخ.
لطالما شجعت روسلانا الفائزة بجائزة "يورو فيزين" عام 2004، الناس على الصمود وعدم التراجع. هي القائلة بعزم وإصرار إن "المسألة لا تتعلق بأحزاب ومصالح سياسية بل بالناس الساعين إلى حياة أفضل لهم ولأولادهم". فالمرأة الأربعينية تدرك أن الجراح يمكن أن تلتئم، إلا أن "الندوب النفسية التي أصابت الشباب المحتجين، من الصعب أن تزول سريعاً". بحسب قولها.
يذكر أن الاحتجاجات غير المسبوقة في أوكرانيا اندلعت في ديسمبر الماضي، بسبب تراجع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عن توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر لصالح علاقاته الوثيقة مع موسكو. وتحولت الاحتجاجات إلى حركة مناهضة للحكومة قادت إلى استقالتها. وخرج مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع، في درجات حرارة متدنية للإعراب عن غضبهم في الأسابيع الماضية.
ولعل تلك الاحتجاجات أطبقت على أنفاس الرئيس، إذ أعلن مكتب الرئاسة أن يانوكوفيتش أصيب بأزمة صحية ناجمة عن "التهاب تنفسي حاد". وتعتبر الأزمة التي تعاني منها أوكرانيا أصعب تحد يواجه هذه الجمهورية السوفياتية السابقة منذ استقلالها عام 1991. حتى أن تأثيرها امتد دولياً، بعد أن دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتحاد الأوروبي إلى عدم التدخل، إلا أن الدول الغربية تدرس مسألة فرض عقوبات على المسؤولين الأوكرانيين.
ووسط الاتهامات المتبادلة بين السلطة والمعارضة، وتحت ضغط الأخيرة قدم الرئيس العديد من التنازلات للمحتجين من بينها قبول استقالة رئيس الوزراء مايكولا ازاروف وحكومته بأكملها والسماح بإلغاء القوانين الصارمة ضد التظاهر. كما أصدر يانوكوفيتش الجمعة عفواً يكاد يكون بمثابة إنذار إذ أمهل المعارضين 15 يوماً للانسحاب من الأماكن العامة التي يحتلونها، فيما طلب الجيش اتخاذ تدابير عاجلة بعد شهرين من أزمة غير مسبوقة.
وأكد الجيش أن تصاعد الحركة الاحتجاجية يهدد "سلامة أراضي" البلاد. فيما أعلنت أجهزة الاستخبارات في وقت متأخر مساء أمس الاول أنها فتحت تحقيقاً في "محاولة الاستيلاء على السلطة" بعدما اطلعت على الخوادم التي ضبطت في ديسمبر بمقر الحزب الذي تتزعمه زعيمة المعارضة المسجونة يوليا تيموشنكو. وأودت هذه الاحتجاجات بحياة أربعة أشخاص، فيما اعتقل 234 آخرون.
من جانبها، تسعى روسيا التي تدعم الرئيس الأوكراني إلى الضغط على المعارضة الروسية، بطرق غير مباشرة عبر فرض إجراءات حدودية مشددة للضغط على كييف، وهي الطريقة التي استخدمتها موسكو في السابق، بحسب ما أكد "اتحاد أصحاب العمل في أوكرانيا" الأربعاء. وأشار الاتحاد إلى أن الجمارك الروسية فرضت إجراءات "صارمة" على السلع الغذائية والآلات المصنعة في أوكرانيا إضافة إلى المعادن.
يأتي كل هذا وسط معاناة أوكرانيا من أزمة اقتصادية عميقة، وبعيد قبولها صفقة إنقاذ من موسكو بقيمة 15 مليار دولار، رغم أن روسيا حذرت هذا الأسبوع أنها لن تفرج عن دفعات جديدة من الصفقة إلا بعد تعيين حكومة جديدة.