احمد نوفل معادلة غربية عجيبة لا زمت المجتمع العراقي وهي ازدواجية ثروة البلد مع فقره! قبل ثورة 14 تموز وتحرير الفلاح العراقي من قيود الإقطاعيين وهيمنتهم على القطاع الزراعي وشريحة الفلاحين التي كانت تعد في حينه أكثر الشرائح تعدادا كانت ارض العراق مصدرا لخزين الحبوب التي تنقل الى عدة بلدان خارجية
ومنها بالأخص بريطانيا التي كانت تستورد حتى الشعير العراقي لتصنيعه في معاملها وحتى في معامل اسكتلندا ومع الإنتاجية الغزيرة لأرض العراق الزراعية كان الفلاح يعيش في ظروف معيشية لا يمكن وصفها، اذ رغم ذلك كان هناك جوع وفاقة وفقر يعانيها الفلاح. وبعد تحرير القطاع الزراعي من هيمنة الإقطاع لم تتقدم الأمور نحو الأفضل بالنسبة للريف العراقي بل ازدادت تدهورا على تدهور بعد ان ترك الفلاح ارضه وهجرها نحو المدينة التي أغوته بالحياة فيها لكنه لم يحظ بما حلم به الى ان أضحينا نأكل ما يزرعه الآخرون بينما يطلق التاريخ صفة ارض السواد على العراق الذي كان يعد من أخصب أراضي الإمبراطورية الإسلامية ومخزنها العملاق للحبوب آنذاك . هذا القطاع لم ينبر له من يشبعه دراسة وتخطيطا من اجل استغلال ما فيه من إمكانات زراعية قل لها نظير إضافة الى ان الفلاح لم يأمن كثيرا لمستقبله نتيجة غياب الدافع الاقتصادي وانعدام جدوى بناء مستقبله على الأرض التي تركت دون مكننة زراعية أسوة بباقي البلدان، أضف الى ذلك غياب شبكة الطرق التي من شأنها توصيل المنتج باقل معاناة واقل كلفة نقل والظروف الصحية والخدمات التي تكاد تكون معدومة ،كل ذلك جعل الزراعة التي هي مصدر الغذاء الأساسي لا تلقى العناية الكافية لدينا. نذكر ان الولايات المتحدة الأمريكية تعد من الدول المصدرة لأنواع الحبوب ساعدها على ذلك استخدام المكننة الزراعية والعناية بالأرض من خلال زيادة الخصوبة بتقوية تربتها باستخدام الأسمدة الكيمياوية، قبلها كانت الإحصاءات تشير الى ان كل عشرين فلاحا أميركيا يطعمون مواطنا واحدا لمدة عام بإنتاجهم من الحبوب وتغير الأمر اذ أصبح الفلاح الواحد منه يمكن له ان يطعم الآلاف من مواطنيه ومن مواطني الدول الأخرى .كل ذلك حدث من خلال الدراسة العلمية والتخطيط والحافز المادي الذي تمتع به هذا الفلاح على العكس من فلاحنا الذي وجد نفسه يعيش وفق عشوائية في هذا المضمار فلا ضمان لمحصوله، ولا حياة في الريف تتوفر فيها ادنى متطلبات العيش الكريم. لا نعلم كيف يحدث العكس فتنقلب المعادلة رأساً على عقب فلا ثروة زراعية تستغل لصالح المواطن ولا ثروة نفطية تعود عليه بالنفع. المملكة العربية السعودية وصحاريها الواسعة استغلت لزراعة الحبوب وجاء اليوم الذي صارت فيه مصدرا من مصادر التصدير لبقية أنحاء العالم بعد ان تم التخطيط لاستخدام المكننة الزراعية والاعتماد على مياه الابار في السقي على الرغم مما يقال بأن هذه التجربة الزراعية في سبيل التوقف بسبب استهلاك مياه الابار بصورة كبيرة ولكن مع ذلك تبقى تجربة يمكن ان تحفزنا لاستغلال مواردنا المتوفرة والتي يمكن ان تعيد العراق الى سابق عهده في الإنتاج الزراعي، اذ لا يمكن ان يتم زرع الصحارى وتترك ضفاف الأنهار! نعتقد بأننا يجب ان ننتبه لقطاع الزراعة وان نعمل على تهيئة الوسائل اللازمة من اجل النهوض به والاعتماد على أرضنا في إنعاشنا لا على أرض الغير، هناك إمكانية كبيرة في جعل العراق البلد الذي ينتج ويطعم أبناءه. وان الأرض يمكن ان يستغلها العراقي بدلاً من أن تطرح لشركات الاستثمار لزراعتها كما يحدث في السودان، لا نعلم لماذا تتحول الثروة عندنا الى فقر مدقع ؟ولماذا نستبدل ثوب الغنى بالفقر، اما آن الأوان لأن نعطي أرضنا وثروتنا النفطية الاهتمام اللازم ,أسوة بالدول المحيطة في الأقل.
ثروة نفط + ثروة زراعية = فقر!
نشر في: 16 نوفمبر, 2009: 04:03 م