لو كنتُ أنا الزميل الصحفي والكاتب سرمد الطائي أو القاضي منير حداد لما انزعجت بأي شكل وبأي مستوى من الدعوى المرفوعة ضدي أمام محكمة قضايا النشر والإعلام، بل لكنت طيّرت برقيات أو بعثت برسائل نصية قصيرة (sms) أو الكترونية الى كل من رئيس مجلس الوزراء ومكتبه ومستشاره القانوني ومحاميه وقاضي محكمة قضايا النشر والإعلام.
مضمون هذه البرقيات او الرسائل يتركز على الشكر الجزيل اليهم جميعاً عما أسدوه من خدمة مجانية لا تُقدّر بثمن إذ رفعوا الدعوى واصدروا أمراً بالقاء القبض بالصيغة التي نُشر بها. نعم انهم قاموا بعمل يستحقون الشكر عليه، فقد تسببوا في تعميم الافكار التي بسببها رُفعت الشكوى وصدر قرار القبض والتحري.
الزميل الطائي كتب مقالات في "المدى" وتحدث الى قنوات فضائية، والقاضي حداد تحدث الى صحف وقنوات فضائية، وثمة الكثير من الناس لم يقرأوا ما كتبه الطائي وما قاله حداد، بيد ان خبر القاء القبض على الرجلين الذي انتشر عبر شبكة الانترنت سريان النار في الهشيم في ظهيرة صيفية، انتقل مع الأفكار المُعترض عليها من رئيس مجلس الوزراء ومكتبه ومحاميه الى اعداد غفيرة من الناس لم تكن قد اطلعت على هذه الأفكار من قبل، أي أن من اقام الدعوى ومن أصدر الأمر بالقاء القبض قد تسببا في نشر هذه الأفكار على نطاق أوسع من النطاق السابق.
الأمر بالقاء القبض، على نحو خاص، أثار استغراباً في الاوساط الاعلامية والثقافية والسياسية وبين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يكن مفهوماً لماذا يُصدر قاضي محكمة النشر والإعلام أمراً بالقبض الفوري من دون سابق انذار في قضية لا تتصل بجريمة خطيرة كالقتل أو التهديد بالقتل أو السرقة المسلحة أو المخدرات وما إلى ذلك.
سرمد الطائي صحفي وكاتب معروف في كل انحاء العراق بل خارج العراق أيضاً، والقاضي منير حداد هو الآخر شهرته تطبق الآفاق، فهو من مؤسسي المحكمة الجنائية الخاصة التي حاكمت أقطاب النظام السابق بمن فيهم صدام حسين، وما كان سيصعب ابلاغ الرجلين بالاستدعاء الى المحكمة لسماع أقوالهما في القضيتين المرفوعتين ضدهما. ليست حجة، مثلاً، ان محلي إقامتهما مجهولان للمحكمة، فللطائي محل عمل معلوم للقاصي والداني، هو صحيفة "المدى"، ولحداد محل عمل معلوم لكل القضاة والمحاكم، هو نقابة المحامين.
الأمر بإلقاء القبض الفوري في قضية نشر وإعلام يثير علامة استفهام كبرى، ويتعيّن على محكمة قضايا النشر والإعلام توضيح الأمر وتبريره من أجل دفع الاشتباه بالقصدية وتسييس القضاء الذي تردد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
شيء آخر يحيّرني في أمر رئيس مجلس الوزراء وموقفه من النقد الذي يُوجه اليه عن نشاطه الحكومي والسياسي، فهو يتسامح حد اللعنة مع سياسيين وعسكريين من النظام السابق مشمولين بقانون المساءلة والعدالة (بعضهم متورط في عمليات قمع بما فيها قتل مناضلين وطنيين بينهم أعضاء في حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه السيد نوري المالكي)، فيستثنيهم ويفتح لهم باب الدخول الى مجلس النواب والحكومة ويعينهم قادة عسكريين وأمنيين ولا يتحمل نقداً، من أجل تقويم أخطائه، من مُضطهدين من نظام صدام كسرمد الطائي ومنير حداد وسواهما!
أمر محيّر حقاً.
قضية سرمد الطائي ومنير حداد
[post-views]
نشر في: 1 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
أستاذنا الفاضل .. أرجو أن لاتستغرب من سلطويون لم يكونوا أن يحلموا في يوما ما أن يتبوأ مركزا وظيفيا مثل الذي يتبوأنه في الوقت الحاضر ,, فجل ما كل يتمنونه من أمنيات سابقة هو منصب معلم أو معاون مدير مدرسة في الأكثر ..مع جل أحترامي لمهنة العلم ورجالها ونسائه