كاظم الجماسي اختلط الحابل في عقل ووعي المواطن بالنابل، وبات لا يدري اين يضع خطوته على ارض مشوشة مختلطة، او كما يقول العراقيون في أمثالهم (وين رأسه، اوين رجليه). كان الحال ايام العهد البائد، على بؤس حال الدولة ورغم تسلط عصابة العائلة الصدامية،
وتدخلها الفاضح والمتشعب في كل مفاصل (القانون) الذي وصفه رب العصابة ذات يوم بـ(الورقة) المجردة، تماديا في الهزء والسخرية من قيمته، على الرغم من كل ذلك، كانت السرية في اتخاذ القرارات (القانونية) في الحساب الوظيفي، تحفظ في الأقل بعض ماء وجه الوظيفة والموظف، وبعض هيبة الدولة. ثم زلزلت الأرض زلزالها، اندحرت سلطة المنظمة السرية، ورفعنا يافطات الشفافية، زالت المخالب العابثة بالقانون وحضرت يافطات سيادة سلطة القانون، واستبدلنا الشمولية المقيتة، قيادة الواحدية حتى الأبد بالتداول السلمي للسلطة، ورحنا مصدقين او غير مصدقين نتوسد الطمأنينة المفترضة، بان كل دقائق حياتنا ستنتظم على وفق مساطر الحداثة في دولة كافل مواطنيها وضامنهم الأوحد القانون فقط، وليس غير القانون.. و(لكن)، هذه الكلمة التي على الدوام تفسد ظنوننا المشتهاة، وآمالنا بخلاصات مكتملة، و(لكن) فضيلتها الكبرى تتمثل في إعادة وضعنا على الأرض وقطع استغراقنا في سماء الأوهام، فحساب الهدم ليس مثل حساب البناء، وما يمكن بناؤه في مئات السنين يمكن هدمه في دقائق معدودة، فكيف بخطط وبرامج هدم خبيثة وضعت عن سابق إرادة وتصميم منذ ما يقرب الثلاثين عاماً. وملمح واحد من ملامح محصلة الهدم المكتنزة، يمكن ان يعطينا دلالات واضحة عن مقدار وحجم مصيبتنا، فمبدأ الشفافية أمسى بعد ما يزيد على الست سنوات من انعطافة9/4 محض يافطة متهرئة لا تثير سوى البؤس والحسرة، اذ ماانفك غول الفساد يسمن ويتكرش ساعة بعد ساعة ودقيقة بعد أخرى، فيما بعض الألسنة في الحكومة تلوك كل يوم كلاماً مكرراً ضحلا بات يثير الغثيان لدى المواطن، ومهزلة اللجان التحقيقية التي بجردة حساب بسيطة، بلغت إعدادها اكثر من قرارات حل مشكلة فلسطين، المثل الأقرب للهزء والسخرية في ضمير المواطن. فهناك لجنة تحقيقية منعقدة في كل دائرة من دوائر الوزارة الواحدة، بل في كل قسم من أقسام الدائرة الواحدة، وفي وقت واحد، وفي كل يوم، وعلى مدار الاربع سنوات المنصرمة من عمر الدورة الانتخابية الراهنة والموشكة على الانتهاء.. حتى باتت حقا وحقيقة، جعجعة من دون طحن او عربدة وعود من دون فعل.. وراح يعتقد المواطن ان كثرة تشكيل وانعقاد اللجان التحقيقية غير المنقطع هو هدف بذاته وليس وسيلة تبتغي تصحيح مسار خاطئ.. الامر الذي يترك في اثره مخلفات كارثية ليس اقلها هبوط مريع في أسهم سمعة (الدولة) او الحكومة في ضمير رعاياها المبتلين بجبال من شرور الأمس، وتلال من شرور اليوم.. وكذلك سيتشجع، ليس المنحرف والذي يكن العداء لعملية التغيير العظيمة، بل حتى المتذبذب والذي لم يحسم امره بعد وكذا الناكص عن الانتماء لمستقبل العراق مع التغيير. ان غياب نتائج اي تحقيق تجريه اللجان التحقيقية لا يعني في نهاية الأمر سوى استهتار بكل ما طرحته الرموز السياسية المنبرية لقياد الحكومة، وصلافة وقحة في تجاهل مصائر الناس و حيواتهم، واستكمال وتعضيد لعقيدة الهدم الموغلة في الحقد والضغينة ضد العراق والعراقيين.
لجنة تحقيقية
نشر في: 16 نوفمبر, 2009: 04:05 م