منذ ان نزلت الآية، خصيصة النبي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ...) والحاكم العربي، بمفهومه العام (خليفة، أمير مؤمنين، رجل دين، شيخ قبيلة، مدير دائرة، شرطي...) نبيٌّ مبتعثٌ بأمر إلهي، مفترض التقديس والطاعة، وما التطاول عليه إلا تطاول على ذات الإله الذي نصبّه كما هو واضح في ادبيات العرب. بل ويذهب فريق من الفقهاء إلى أن الخروج على أمر الحاكم الظالم باطل وموجب للعقوبة، ويكتفي المسلم بان يدعو له بالصلاح والهداية، ومهما بالغ في ظلمه فانه يستتاب لا أكثر. هذا ما دأبت عليه قوانين الحكومات الاسلامية منذ عهد الرسول والصحابة والخلافتين الاموية والعباسية والأمر موصول بالعثمانية إلى يومنا هذا مع الأنظمة الملكية والحكومات الجمهورية، حيث تسلمت القوانين والشرائع جاهزة من هناك حتى انها دخلت دساتيرنا الحديثة ومكثت فيها وستمكث إلى ماء شاء الله.
وأرتبط تنزيه الخالق من الشرور التي تلحق البشر بحلقة تنزيه الحاكم من كل ما يلحق معيته من الشرور تلك، ذلك لأن افعال الخير خصيصة إلهية، والقاعدة تقول : كل ما يصيبُ الإنسان من النِعم والخير والمال إنما هي من الله، لأنه وحده ترجع إليه كل أفعال الخير( ما أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ولأن الحاكم العربي المسلم ظلُّ الله في الأرض، فقد كانت ومنذ العهد ذاك أفعاله الخير، وكل سوءات تأتي منه هي ليست منه بالضرورة إنما هي من أفعال محكوميه الذين أراد لهم الخير لكنهم خرجوا عليه وعصوه فعاقبهم الله بما كانت تنطوي عليه انفسهم منه. وهكذا تأتي المعادلة المرهقة لتكون دعامة للحاكمين العرب المسلمين في شرقنا المبتلى بهم. وما نلحظه اليوم من عقوبات يفرضها الحاكم على كل فعل يدوي أو صوتي من شعبه ضده، ولا رادع له لأنه يعاقب بموجب ما بين يديه من السنن والشرائع المنصوص عليها بالدستور.
لم تتمكن المدنية وقوانين التطور المجتمعي وتفكك منظومة الحاكم والمحكوم في العالم الحديث من تحقيق مرادها في مشرقنا العربي، وظلت يد الحاكم المنتخب حتى، مطلقة لا حدود لها، وما قضية الحرية الصحفية والحق المشروع في الحصول على المعلومة وانتقاد المؤسسة السياسية وصولا إلى قضية سرمد الطائي، إلا لأننا لا زلنا تحت تأثير المخدر الفقهي الأول، وتتدلى على رؤوسنا إلى الأبد صورة الخليفة، أمير المؤمنين، الوالي الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أي مكان.
ليس على الأرض اخطاء كالتي على الأرض العربية الإسلامية، وأكثرها شناعة تلك التي تأتي من الحكام، ومن ينظر لحال العراق خلال العقد الماضي يجد أن أخطاء الحكومة لو فرّقت بين أهل الأرض لوسعتهم، ولو قيّض لمحكمة إلهية –إنسانية عادلة معاقبة الحكومة العراقية عن ما اقترفته بحق شعبها من كوارث لحكمت عليها بأقسى العقوبات ولما سلم منها أحد، ولحكمت ببراءة الشعب العراقي وتعويضه عما لحق به من مظالم، (لكن حمزة لا بواكي له) كما في الحديث.
حكومة تقايض قتلة شعبها من الإرهابيين بمحكومين عاديين من مواطنيها لدى الدول المجاورة ويخرج من سجونها أكثر من 1500 مجرم محكوم بمادة 104 إرهاب وتتساهل في قضايا فساد كبرى وتتحطم على يدها معالم وبنى دولة عملاقة مثل العراق وتفرط بحدودها وأرضها وتغض الطرف عن انهيارات في القيم والمثل، ولا يرف لها جفن، لكنها لا تتوانى عن إصدار مذكرة اعتقال بحق صحفي اعترض على أدائها . امر مخجل حقاً.
الحاكم بأمر الله في العراق
[post-views]
نشر في: 1 فبراير, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...