سلام العبودي تعتبر المنافسة، بصفة عامة، من العناصر المهمة التي تساهم بقسط وافر في توجيه السلوكيات وتحديد العلاقات الإنسانية داخل المجتمع وخارجه. وقد تمّ التطرق إلى مسألة المنافسة في عدّة مجالات. فالفلسفة تناولت بالدرس وجهات النظر المتباينة والمتعلقة بالإنسان باعتباره فرداً أو عضواً في مجموعة،
وتطرقت إلى مسألة تعامله مع الآخرين وما ينشأ عن هذا التعامل من استغلال. كذلك، أولت الأديان السماوية كافة عناية خاصة بمسألة المنافسة؛ هدفها من ذلك، الحدّ منها وتوجيهها لما فيه خير ومصلحة الفرد والمجموعة والمجتمع والإنسانية بأكملها. أمّا بالنسبة للعلوم الحديثة، فقد تطرقت إلى قضية المنافسة من زوايا مختلفة. فعلم النفس مثلاً، ركز على دراسة هذه المنافسة استنادا إلى الصراعات النفسية التي تحصل داخل الفرد من جهة، وبين الأفراد والمجموعات من جهة ثانية. أمّا علم الاجتماع، فقد اهتم أساسا بالمجتمعات المتحضّرة التّي تتميّز بتفاقم واستشراء المنافسة. كذلك أولت العلوم الاقتصادية مسألة المنافسة اهتماماً خاصاً نظراً لما تكتسبه من أهمية على مستوى استغلال الموارد الاقتصادية وإنتاج السّلع والبضائع وتوزيعها وتطوير جودتها. وفي نفس هذا السياق، لم تبق العلوم السياسية بمعزل عن الخوض في مسألة المنافسة التي برزت بشكل حادّ بين مختلف الأحزاب السياسية التي وظفت كلّ طاقاتها من أجل الحصول على السلطة داخل بلد معيّن، فضلاً عن الصراعات الدوليّة التي غلبت عليها نوايا الهيمنة والسيطرة ومطامع الاستغلال والاستعمار غير المباشر. وتكاد تتّفق العديد من الدّراسات المتخصّصة على أنّ المنافسة تتجسّد من خلال بذل الجهود المكثفة والمركّزة بهدف التغلّب على الطرف الآخر وتحقيق بعض الأهداف والغايات وإشباع مجموعة من الحاجات. لذلك، يتمّ استخدام العديد من الوسائل مثل المهارات والمعارف والتدخّلات والأموال. والمنافسة يمكن أن تحصل مع النفس أو مع أفراد ومجموعات، وتتراوح بين الصراع والنزاع والعدوانية. والمنافسة بصفة عامة، يصنّفها الاختصاصيون على النحو الآتي: ـ منافسة شريفة تلتزم بالقواعد الأخلاقية وتأخذ بعين الاعتبار الأصول والقواعد والأخلاقيات. ـ منافسة غير شريفة وهي ترتكز على الغشّ والخداع واللّهث وراء تحقيق النتائج بأيّة وسائل وعلى حساب الآخرين. منافسة مقيّدة، وهي التي تخضع إلى تقييدات وتنظيمات وترتيبات بحيث أن الخروج عنها تكون له انعكاسات سلبية. ـ منافسة حرّة، وهي التي لا تلتزم بالقيود أو الحدود أو الموانع. ـ منافسة بنّاءة، وهي التي يكون الهدف منها حصول الفائدة والمنفعة لفرد أو مجموعة أو مجتمع. ـ منافسة هدّامة، أي التي تؤدي إلى تحطيم الآخرين وإلحاق الضّرر والأذى بهم. ـ منافسة النفس، أي الرّجوع إلى الماضي والتفكير فيما تمّ إنجازه والتّخطيط لما هو أفضل منه في المستقبل. وهي أنبل أنواع المنافسة ويتوجب غرسها في نفوس جيل الشباب منذ مقتبل عمرهم. ـ منافسة الآخرين، أي أن الفرد ينافس مجموعة ينتمي إليها. ـ منافسة العطاء، والمقصود بها تلك التي تكون مبنيّة على المشاعر الإيجابية مثل التحاب والتآزر وإيثار الآخرين على النفس وحب العمل الجماعي؛ وهذا النوع الأخير من الحب الذي يسمى كذلك روح العمل الجماعي أو العمل ضمن فريق عمل هو ما نود شيوعه في مجتمعنا العراقي "أحب لأخيك ما تحبه لنفسك". ـ منافسة الأخذ، وهي التي تكون موجهة نحو الاستيلاء على ما للآخرين من ممتلكات أو شهرة أو مكانة اجتماعية بشتّى الوسائل، المُباحة وغير المُباحة؛ وهذه حالة مدانة نتمنى أن يشفى مجتمعنا منها. ـ المنافسة على الخير، أي تلك التي تهدف إلى بذل مجهود إضافي قصد إفادة الآخرين وتحقيق رخاء الآخرين؛ وهذا ما تدعو إليه الأديان السماوية كافة.. إن "خير الناس من نفع الناس". ـ المنافسة على اقتراف أعمال الشرّ والإثم والعدوان وهي التّي تجمع الأفراد الذين غالبا ما يكونون فريسة للفساد والرشوة والمحسوبية وكذلك الشهوات الجنسية. أمّا بالنسبة للأسباب الكامنة وراء استشراء المنافسة، فإن الاختصاصيين يشيرون أوّلا وقبل كلّ شيء إلى الحقد والكراهية والحسد. ذلك أن الفرد في هذه الحالة تكون غايته الحصول على المال أو العلم أو السلطة أو المكانة الاجتماعية والشهرة حتى وإن كان ذلك على حساب الآخرين أو حتى وإن تطلّب ذلك حرمانهم من ذلك الحقّ. ومن الأسباب الأخرى للمنافسة، نذكر الجشع والطمع المبالغ فيه الذي هو عكس الطموح المشروع، بحيث تتنازع الفرد قوى داخلية وخارجية من أجل الحصول على الثروة والمال الكثير والمكانة الاجتماعية والشهرة والترقية إلى أعلى المراتب. كما نذكر مسألة التنشئة الاجتماعية داخل العائلة ثمّ المدرسة والمجتمع. فالأسرة نفسها تكرّس المقارنات بين الإخوة والأخوات. أمّا على مستوى المجتمع، فهذه المقارنة تشمل الممتلكات والشهرة والمكانة. كما أنّ وسائل الإعلام تلعب دورا كبيرا في إثارة المنافسات بين أفراد المجتمع. وبطبيعة الحال، فإنّ الغطرسة والظّلم والتسلّط وانعدام العدالة، تساهم كلّها في إذكاء واستشراء المنافسة بين أفراد المجتمع. وبصفة عامة، تؤكد الدّراسات أن المنافسة تكون شرسة في المدن الكبرى مقارنة مع القرى والأرياف.
المنافسة في العلاقات الإنسانية صراع الخير والشر
نشر في: 16 نوفمبر, 2009: 04:11 م