بثبات وعلى جرعات محددة يتم انتقاء توقيتها بعناية، تُسرّب الإدارة الأميركية خططها لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وآخرها تأكيد المبعوث الأميركي للمفاوضات السياسية في الشرق الأوسط، مارتن انديك، أن كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، سوف يضطران إلى الموافقة على الوثيقة الأميركية كأساس للمفاوضات، لكنه يتفضل عليهما بمنحهما حق إبداء تحفظات على بعض بنودها، وذلك على قاعدة إرضاء الطرفين، ولو تطلب الجمع بين خيارات مرفوضة من أحدهما، وتفادياً لإحراج أي منهما، ولكونها وثيقة أميركية، سيتمكن الطرفان من مواجهة الضغوط الداخلية.
تأخذ إدارة أوباما دور طرفي الصراع معاً، فتقول ما تعتقد أن قيادتي الطرفين عاجزتان عن قوله، فالقدس المحتلة ستظل قضية ضبابية، خصوصاً وأنّ طرفي المفاوضات لم يتناولا حتى الآن مسألة الحرم القدسي، التي تعد حساسة جداً، لكن الوضوح والحسم يتبدى حين يجري الحديث عن الترتيبات الأمنية، حيث تتناوله الوثيقة الأميركيةُ بالتفصيل على نحو واسع، من قبيل إنشاء منطقة أمنية في الأغوار، مع سياج جديد ومجسات وطائرات بدون طيار، ويغدو الوضوح أكثر بروزاً حين الحديث عن المستوطنات، فسوف يسمح اتفاق الإطار الذي ستعرضه واشنطن لنحو 80% من المستوطنين بالبقاء تحت السيادة الإسرائيلية، بينما يرى الجانب الفلسطيني أن بإمكانهم البقاء كمقيمين في الدولة الفلسطينية العتيدة.
تلعب واشنطن على وتر التسريب، ثم التشكيك بما سرّبته كاملاً أو ببعضه، لكنها تتعامل بجدية مع موضوع تعويض اللاجئين الفلسطينيين، الذين هُجّروا من وطنهم بالقوة، ولإرضاء الحلفاء في تل أبيب، سيتم تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية إلى دولة إسرائيل بعد إقامتها، وبمعنى مساواة الضحية بالجلاد، ذلك أن معظم العرب اليهود انتقلوا إلى الدولة العبرية بمحض إرادتهم، طبعاً باستثناء العراقيين، الذين تعرضوا لاضطهاد ممنهج أجبرهم على الهجرة، ولذلك تراهم حتى اليوم متمسكين بعراقيتهم، ويجرف الحنين من بقي منهم على قيد الحياة، وهم يستذكرون أيام عزهم في كل أنحاء العراق، ويتم التعبير عن ذلك بمجموعة من الأعمال الأدبية، التي تكتب باللغة العربية وباللهجات العراقية أيضاً.
رغم أن كيري يتحرك منفرداً كما يبدو، فإن الواقع أنه يحظى بدعم الرباعية الدولية، التي تناقش كيفية دعم جهوده، في لحظة تحتاج لاتخاذ قرارات صعبة وجريئة، تأمل كاترين آشتون بتحويلها واقعاً " لمواصلة العمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام عن طريق التفاوض، ووضع حد للصراع، وتحقيق التطلعات المشروعة للجانبين"، كما يساهم الرئيس أوباما شخصياً في دعمه، وهو سيستقبل العاهل الأردني خلال أيام لهذا الغرض، كما يزور الرياض الشهر المقبل لبحث الأمر مع الملك السعودي، ما يؤشر إلى جدية التحركات القائمة اليوم، دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف الشعبي من الخطط الأميركية.
مع كل الغموض والسرية المحيطة بالموقف الأردني من خطط كيري، حيث تنحصر اتصالاته بالقصر، وبوزير خارجية لا يُطلع الحكومة "صاحبة الولاية" على تفاصيل ما يجري، فإن القوى السياسية بكل أطيافها تستشعر الخطر وترفض التحرك الأميركي، باعتباره هدية للمحتل على حساب الفلسطينيين والأردنيين، وتؤكد حق الفلسطينيين في أرضهم كاملة غير مجزئه، مع رفض فكرة يهودية الدولة جملةً وتفصيلاً، بما في ذلك تبادل الأراضي و تدويل القدس وتكريس توطين اللاجئين في الشتات، وتشدد على حق جميع أبناء الشعب الفلسطيني في استعادة كامل حقوقهم المشروعة، وتأمين عودتهم، وضرورة تمسك الأردن بدعم الفلسطينيين ورفض تمرير أي اتفاق أو حل أو ترتيبات تقدم أيه تنازلات على حسابهم، وعلى الضفة الغربية من نهر الأردن، تتحرك عديد القوى السياسية رفضاً للمشروع الأميركي " التصفوي " كما ينبغي القول.
واشنطن وتصفية القضية الفلسطينية
[post-views]
نشر في: 2 فبراير, 2014: 09:01 م