TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > انتفاء الثوابت طغى على المرحلة

انتفاء الثوابت طغى على المرحلة

نشر في: 16 نوفمبر, 2009: 04:14 م

شاكر الأنباري ما أن يستجد حدث في العراق حتى تظهر الى العلن الآراء المتباينة حوله من قبل القوى، والأحزاب، والتكتلات السياسية. وبعض تلك الآراء تبدو متغايرة جذريا، ويستحيل التوفيق بينها. التفجيرات التي حدثت في الماضي وذهب ضحيتها مئات الشهداء والجرحى،
وكلهم في منطقة صغيرة محصورة في صالحية الكرخ، حيث تقع وزارة العدل ومحافظة بغداد، فجرت الظاهرة ذاتها. ليس هناك موقف موحد للحكومة، ولا للبرلمان، ولا للأحزاب السياسية. كيل الاتهامات سرعان ما ساد بين الجميع. رئاسة الوزراء وضعت اللوم، كالسابق، على البعثيين والقاعدة. والقوى المناوئة للمالكي وضعت اللوم على فساد أجهزته الأمنية التي تمتلئ، حسب رأيهم، بالضباط السابقين ورجال مخابرات صدام حسين والبعثيين. والقوى خارج السلطة حملت ايران المسؤولية عن كل ما يجري في العراق، وحجتها ان السفارة الايرانية لا تبعد الا بضع مئات من الأمتار عن مكان الانفجارين، ولم تستهدف من قبل الارهاب منذ سنوات. كما اكتشفت أنواع من المتفجرات والعبوات اللاصقة من منشأ ايراني، وهكذا. وقبل ذلك سادت الاتهامات ذاتها في الأربعاء الدامي الذي طال وزارتي الخارجية والمالية. القضية عادة لا تنحصر بالتفجيرات اللا منطقية واللامعقولة المستهدفة للمدنيين، بل هي ظاهرة تشمل كثيرا من الملفات. انعكست الصراعات السياسية حول السلطة على مواقفها حتى الوطنية، وهذا ما لاحظه الجميع. اذ لم يعد هناك معنى للوطنية المتفق عليها أو لأي برنامج واضح يتواءم الكل حوله. وكانت العقدة الكأداء تلك تمثل الحالة النموذجية في فقدان المعايير. فقدان المعايير في الساحة العراقية تحول الى فوضى. وكانت الدولة القامعة، تحديدا، وعلى ما يبدو، هي التي وقفت سببا في عدم ظهور فوضى مثل هذه، وذلك لأن تلك الدولة كانت تفرض معاييرها الخاصة بواسطة العنف، والقوة، وغزارة من الديماغوجيا. فكانت تبدو كما لو انها معايير متفق عليها، رغم انها لم تكن سوى صورة وئام زائفة. ومصطلح المواطنة واحد من المصطلحات الكثيرة التي لم تعد تجد اتفاقا شاملا عليه، اذا ما اخذ التعريف الأبسط للمصطلح باعتبار ان الوطنية هو حب البلد على الأقل، والانتماء اليه، والدفاع عنه، والسعي لتطويره. وهي مستلزمات بسيطة جدا ليست بحاجة لفلسفة. هناك أحزاب دينية مذهبية، تعتقد أن وطنيتها التي تعلنها دائما تتمثل في تطبيق الشريعة الاسلامية حسب وجهة نظرها المذهبية، فتعمد الى فرض الحجاب على طالبات المدارس، مثلما حدث في عدد من المحافظات الجنوبية، ومنع تداول الخمور وشربها وتجارتها. ومأسسة المناسبات الدينية مثل عاشوراء وولادة الأئمة، والمواكب، والأدعية الدينية والحزن، وفرض رؤيتها للتاريخ على مناهج التعليم في عموم البلد. هذا وغيره تعتقد تلك الأحزاب وأتباعها انه لب الوطنية. ولن يستقيم المصطلح من دون ان تكون تلك السلوكيات والمناهج متداولة وموجودة. القوى العلمانية اليوم تنسج لنفسها ثوبا وطنيا جديدا. هي من جانبها لا ترغب في عراق يحكمه رجال الدين وشرائعهم التي تريد تحويل البلد الى كربلاء جديدة، كما انها تؤمن ان البلد يتكون من افراد يرتبطون بآلية مواطنة. وليسوا تكوينات شيعية وسنية وكردية وأقليات، كما هو عليه اليوم نظام المحاصصة الطائفية. ملايين من العلمانيين، في داخل العراق وفي خارجه، يعتبرون ان البلد انتهى لأنه لم يعد عراق الليبرالية والعلمانية وحرية الملبس والمشرب، وفصل الدين عن الدولة. واذا ما تم مد صورة الاختلافات الى افق أوسع نرى ان هناك ملايين المهاجرين في بلدان عربية وأوروبية وأجنبية صاروا على قناعة أن عراقهم الذي عرفوه سابقا لم يعد موجودا. وتتباين بينهم الشروحات حول هذه النقطة، فمنهم من ينسب الخلل الى الاحتلال، ومنهم من يعتبر زوال حكم البعث نهاية للعراق الموحد. ومنهم من يعتقد ان العراق قسم وانتهى ما ان تم الاعتراف دستوريا باقليم كردستان. وهناك من يصر على أن العراق أصبح ايرانيا، وذلك لارتباط اغلب القوى الحاكمة بايران، مذهبيا وسياسيا، وأمنيا، وروحيا. وكل رؤية من هذه الرؤى تعتقد انها في صلب مصطلح الوطنية، وتلغي أية رؤية خارجها. الغاء الفهم المقابل للآخر أصبح سمة من سمات العمل السياسي داخل العراق، بين النخب بالذات. اما على الصعيد الشعبي فتكاد الرؤى تتوحد تجاه النظام القائم. في الفهم الشعبي للمرحلة ان بعض القائمين على الحكم هم لصوص ينهبون خيرات البلد، ولا يهم من أي مذهب او قومية كانوا. وهم مرتبطون بمخابرات أو دول اقليمية محيطة بالعراق مثل ايران وسورية ودول الخليج وتركيا. وهم أميون في الغالب، وهذا ما ظهر في اعداد الشهادات المزورة التي تم اكتشافها من قبل لجنة النزاهة في البرلمان، ودائرة الرقابة والتفتيش في مجلس الوزراء. وهم قتلة، او لا يتورعون عن القتل، ويورد عامة الناس قصصا وأحداثا كان ابطالها برلمانيين ووزراء وأعضاء مجالس محافظات وزعماء كتل سياسية، أو وجوها اجتماعية بارزة في المجتمع. واللصوصية، أو النزاهة، تعتمد أيضا على التركيبة الطائفية والقومية. فوجهاء طائفتي اقل اجرامية من وجهاء الطائفة الأخرى، او اكثر أو اقل لصوصية ونزاهة. تلك معايير لم تعد ترتبط بمفهوم موحد للوطنية يشيع في جميع انحاء البلد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram