عندما قرر المالكي فض اعتصامات الأنبار بالقوة بدافع "كسب الثالثة"، كان حتى الطفل فينا يعرف بانها لن تعدّي على خير. صدام قبله قمع اهل الجنوب وملأ باطن الأرض بجثثهم. لكن الجثث عندما تدفن قهرا وظلما ستنكد الحياة فوق الارض، ولو بعد زمن. ما فعله صدام بالشيعة عندما أغلق باب الانتفاضة الجنوبية كان يعني فتح الباب أمام خيارات متعددة اغلبها مرّ، من بينها اللجوء للأجنبي لتخليصهم من الظلم. ما حدث لأهل الرمادي بعد قمع تظاهراتهم يشبه ما حدث للشيعة بزمن صدام رغم ان هناك فارقاً بشدة البطش كما ونوعا. اما النتيجة فتكاد تكون متشابهة إلى حد بعيد.
لاذ بعض الشيعة بالأجنبي (إيران وأمريكا كمثال) واليوم بعض السنة لاذوا بالقاعدة و"داعش" وبعض من دول الجوار لا بل وبعضهم لاذ بأمريكا أيضا. يوم لاحت لوائح الهجوم الأمريكي على العراق لإسقاط صدام تفرق الشيعة الى ثلاثة: فريق ساند الحكومة في وقتها لأنه لا يتقبل فكرة الاحتلال مهما كانت مبرراتها. آخر رحب بالاحتلال محملا صدام مسؤولية جر البلد لذلك ولأن صدام لا يمكن ان يسقط الا باجتياح عسكري خارجي. الفريق الثالث وقف ضد صدام والاحتلال، كالتيار الصدري.
اليوم بدل أمريكا حلّت "داعش" وبدل صدام حلّ المالكي. ولأن المالكي رفض الخيار السياسي للسنة كما فعل صدام مع الشيعة، فانه فتح أمام السنة أبواب خيارات أخرى فكانت ثلاثة أيضا. بعض العشائر وقفت مع المالكي رغم انه لم يكن مقتنعا بفض الاعتصامات بالقوة. أبناء عشائر أخرى وقفوا مع "داعش". وهناك من وقف ضد المالكي و"داعش" في آن.
العشائر التي ساندت المالكي، رغم انها كانت معتصمة وضد فض الاعتصام بالسلاح، اختارته كخيبة لا بد منها. مثل الشيعة الذين رفضوا الاجتياح الأمريكي واتخذوا قرارا خائبا بالوقوف مع صدام. والذين ذهبوا الى "داعش" لا حبا بها بل بغضا بالمالكي الذي اهانهم وفض اعتصامهم بالجبروت. خيبة أيضا. أما الذين حاربوا المالكي و "داعش" فانهم أرادوا الوقفة ضد الخيبتين.
لم يطلب الشيعة من صدام حكما بل فقط أرادوا منه ان يعاملهم كغيرهم وان لا يكون سبب انتمائهم المذهبي تهمة بانهم إيرانيون او قلوبهم مع ايران. والسنة أيضا في اعتصامهم لم يطالبوا ان يكون رئيس الوزراء منهم بل كل ما طلبوه ان لا يكون انتماؤهم المذهبي حجة لتهميشهم.
قد يقول قائل ان السنة لديهم مناصب حكومية ونواب ووزراء. انا لا اتحدث عن هؤلاء بل عن الشارع السني. ففي زمن صدام أيضا كان هناك وزراء وعسكريون كبار من الشيعة، لكن الاضطهاد وقع على الشارع الشيعي فتذمر وصعب عليه منح الولاء لظالمه.
الشارع السني كان مطلبه الأساس ان يبعدوا سوط "4 أرهاب" عن جلده ليعيش راضيا مرضيا. هل كان ذلك أصعب على المالكي وائتلافه من هذه الدماء التي تسيل وقوافل جثث الجنود الجنوبية التي تعود من الأنبار مضرجة بالدماء والتي مازال الله وحده يعرف عددها؟
خيارات السنة
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 6
ابو اثير
السلطة وأسيادها السلطويون لا يفرقون بين مذهب ومذهب ديدنهم واحد ألا وهي السلطة ...فعلى الشعب العراقي ترك مذاهبهم لفترة وجيزة والألتفاف الى عدوهم الواحد المتربص لهم وألأنقضاض عليه قبل أن ينقض عليهم واحدا بعد ألآخر واليتعضوا من حكم الطاغيةصدام .
سعد المهنا
شكرا للسيد العقابي على هذا التحليل الدقيق وبعد النظر الثاقب للاحداث السابقه والراهنه وهو بهذا يقترب كثيرا من الحقيقه .. ياريت اكو خمسه بالميه بالحكومه والبرلمان يقرأون الواقع بهذا الشكل .. كان اتجنبنا كثير من المصايب والكوارث ..!! شكرا مرة اخرى وتقبل احت
ابو علي
بارك الله فيك استاذ هاشم على هذا الوصف عميق المعنى والدلالات ولك منا الف تحية على مساعيك الخيرة لنبذ الفرقة بين ابناء الشعب على مختلف مذاهبهم واطيافهم فهذا هو العراقي الاصيل
بوليث
العراق مبني منذ 1920 على الاضطهاد الطائفي يعني لاطبقي ولاقومي وحكمت فيه الانقلابات بيد الاعراب واحد يخلف اخر حسب مبداء (دبر له مكيدة وقتله وبويع بالخلافة من بعده) وذولي الاعراب شاف ما شاف حسبوا الحكم (كياتهم)يعني طابو وشافو الكاوليه والفلوس والناس ساكتة ع
نبيل
ليست هكذا تحكم البلاد والشعوب
خالد البصراوي
تحليلك دقيق ولكن انا من المتابغين الجيدين لمقالاتك ولكن اخي الفاضل كونك ملم بالشان العراقي وتعرف اغلب الساسه محتاجين حلول من خبرتك والامور الى اين تتجه