"هذا حد يومه" .." الله يحبه واختاره" .."موزين دفنتوه بايديكم".. عبارات حفظها العراقيون عن ظهر قلب وصارت كليشيهات يتداولها الرجال والنساء وهم يواسون اشخاصا فقدوا احبتهم فجأة في حوادث او انفجارات او حوادث عنف فانفطرت قلوبهم ألما لفقدهم ، وما ان يغادرون مجلس العزاء حتى ينصرفوا لحياتهم وكأن ما حدث كان جزءا من وتيرة الحياة اليومية المعتادة!
نحن ندرك جيدا ان لا أحد يموت دون سبب وان الموت امر جلل وخطب مؤلم وحدث يستوقف الانسان ويضع امامه عشرات الاسئلة التواقة الى أجوبة، وهو لا يحدث دون سبب كما قلنا والا لما مات قريب لأحد زملائنا وهو يشرب الشاي في مطبخه.. حدث ذلك في مدينة الرمادي في بداية ازمتها ..كان الشاب يشرب الشاي في مطبخه حين اشتد صوت اطلاقات نارية لم يعرف مصدرها بعد، وكان كل مافكر فيه هو اغلاق باب المطبخ جيدا بالباب الحديدي الخارجي ليجنب اسرته الصغيرة خطر الاصابة برصاصة عشوائية لكن واحدة (تايهة) اخترقت زجاج باب المطبخ قبل ان يصل الشاب الى الباب الحديدي لتستقر في قلبه.. وهكذا صار لموته سبب دون ان يعرض نفسه لحوادث من أي نوع او يحمل السلاح ليقاتل..ولعل هذا كان "حد يومه " او ان "الله يحبه فاختاره" وليحمد أهله ربهم لأنه مات بينهم وتمكنوا بعد توقف اطلاق النار من دفنه بأيديهم ..انها نعمة كبرى لا يعرف قدرها حاليا الا العراقيون بعد ان فقدوا الامن والامان وهم في منازلهم واماكن دراستهم وعملهم بسبب حوادث الانفجارات والقصف الصاروخي واحداث العنف وكل ما اعتاد الفرد العراقي على مواجهته من مسلسلات الموت المتعددة الاسباب والمناشئ والموحدة النتائج ففي نهايتها يكون الموت هو السيد.
قبل ايام ، اعلنت بعثة الامم المتحدة في العراق "يونامي" ان عدد ضحايا شهر كانون الثاني الماضي الذين وقعوا جراء العنف بلغ مايقارب الالف قتيل في جميع المحافظات عدا الانبار التي تفرض الحكومة تعتيما واضحا على عدد الضحايا فيها سواء من الجيش العراقي او الاهالي او حتى المسلحين ..راودني سؤال اخشى ان يكون فيه مايزعج رجال الدين الذين يعتبرون ان كل مايحدث مع البشر هو ارادة الله وحده ولا اعتراض عليه، فهل كان شهر كانون الثاني هو " حد يوم " الف شخص عراقي أم ان الله يحب كل هؤلاء واختارهم ..لا أظن ايها السادة ان الله يخلق البشر ليحدد لهم موتا جماعيا أو انه –سبحانه – يحب موتهم فيختارهم ..الله يمنح المرء الحياة ويتركه ليواجهها بعقله وغرائزه التي ابرزها حماية نفسه من الموت وصراعه من اجل البقاء لكن مايحدث يتجاوز قدرته على حماية نفسه فهو غير آمن حتى لو كان مسالما ، وهو ضحية مسلسلات موت حتى لو كان يمسك بتلابيب الحياة بكل قوته ويخشى مفارقتها ..
كيف نحمي العراقيين من مصير غدا رقما قياسيا في احصائيات الامم المتحدة ومتى يضع العقلاء رؤوسهم بين ايديهم ويفكروا للحظة في مصير الآلاف التي تنتظر مصيرا مشابها ليحاولوا حقن الدماء وتجنيبهم الموت المفاجئ...متى يكف عشاق القتل والمعتادين على رؤية الدم العراقي عن وضع حد لأعمار العراقيين بايديهم ؟ ومتى نكف عن مواساة شخص مكلوم بفقدان عزيز له بأنه محظوظ لأنه دفنه بيديه ولم تمزق جثته الانفجارات او تتقاسمه الكلاب ويصبح ( مجهول الهوية )..متى ؟
طلقة (تايهة)!
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2014: 09:01 م