كثيرة هي النصوص المسرحية التي اتخذت من هموم الناس منطلقاً لها في صياغة خطابها الإنساني وبث أفكارها النبيلة، ولم يكن الأدب المسرحي العالمي إلا ينبوع ثراء ومعرفة يغرف منه كل متنور ومجتهد وباحث ومتذوق ليعيد قراءته محملا بمعاني ومفاهيم الزمن المعاصر ويقد
كثيرة هي النصوص المسرحية التي اتخذت من هموم الناس منطلقاً لها في صياغة خطابها الإنساني وبث أفكارها النبيلة، ولم يكن الأدب المسرحي العالمي إلا ينبوع ثراء ومعرفة يغرف منه كل متنور ومجتهد وباحث ومتذوق ليعيد قراءته محملا بمعاني ومفاهيم الزمن المعاصر ويقدم من خلاله رؤاه وتصوراته وحلمه بما ينبغي ان يكون عليه العالم المتحضر وبرلمان النساء للكاتب الإغريقي أرستو فانس واحد من تلك النصوص المسرحية التي تقوم على فن النقد الساخر وفضح العيوب الاجتماعية بأسلوب كوميدي لمجتمع اتخذ من الديمقراطية شعارا وهدفا وتشدق بها ثم حاد عنها وجافاها وابتكر عوضا عنها أساليب القمع والإقصاء وقمع الأصوات ,ولأن مهمة الكاتب المسرحي هي رصد الظواهر السلبية والممارسات غير المقبولة التي تتعارض مع مبدأ الحرية وتشخيصها ودراستها ثم صياغتها وصبها في قالب درامي كوميدي أو تراجيدي ، لاسيما إذا كان من الكتّاب الواعين والمدركين لأهمية المسرح ودوره التوعوي وأهمية التأرخة والتوثيق لما يدور حوله وما يحيط به، وهذا ما فعله أغلب المبدعين في العالم حين حفظوا الحقائق ومرروها عبر التأريخ الإنساني دونما تحريف أو زيف ..عمدت إلى النص المسرحي برلمان النساء وأعدت قراءته ومحاورته بروح الزمن المعاصر المضطرب والملتبس بدعاوى وفتاوى وابتكارات تحت ظل العولمة وانفتاح السموات السبع على بعضها البعض حاورت النص برؤى معاصرة وخطاب درامي يتخذ من الكوميديا الساخرة والناقدة الهادفة مرتكزا ومنطلقا يتجسد في عرض مسرحي يثقف ويوعي بفهم ومعرفة بأهمية الانتقاء والاختيار لهذا النص ولهذه الفكرة في هذا الزمن ولهذه المرحلة من تأريخ أوطاننا العربية والإسلامية مع التأكيد عبر خطاب النص على ضرورة العناية والدقة حين التوجه إلى صناديق الانتخاب في اختيار من يحمل الأصوات ومن يتمثلنا حضورا وفكرا تحت قبة البرلمان ،إذ لابد أن يكن رافضا للفساد عازفا عن المنافع والغنائم داعيا إلى الإصلاح والعمل المثمر, لم يكن العمل مع تسع سيدات هنّ من خيرة الفنانات العراقيات كفاءة وحضورا لم يكن أمرا سهلا كما لم يكن العمل في المسرح العراقي في ظل كل هذه الظروف والمتغيرات والمخاطر والأمزجة والتناحرات السياسية والصدامات التحزبية سلسا ومقبولا، لكننا كفريق عمل مسرحي منتمٍ للتجربة الجديدة ارتضينا ان نتعاون معاً لإنجاز عرض مسرحي يؤرخ لمرحلة ويعلن عن موقف فكري وأخلاقي عن كل ما يدور من حولنا, واتخذنا من الجمال والقيم الفنية الراقية دليلا ومنهجا في صياغة عرضنا المسرحي مهمومين وباحثين ومجتهدين في صناعة عمل درامي ينتمي إلى الكباريه السياسي، وهو لون جديد في المسرح العراقي لم يقدم من قبل يعتمد السخرية والنقد والرقص والغناء وتنوع الإيقاع أداءً وموسيقى ويتقصد المباشرة ، ولم يكن هكذا نوع من العروض التي تعتمد الجرأة والاحتجاج في الطرح والمعالجة الإخراجية حد الصدمة بالقادرة على الولوج إلى فضاء المسرح العراقي دون مماحكات وتأويلات وتشكيك ومغالطات، لاسيما حين يكون التلقي لدى البعض من أصحاب المطامع والطموح قاصرا ومحدودا وغير مدرك للعبة المسرح ،لأنه غير عارف فيها أصلا !! رغم كل تلك المعاناة استطعنا الوصول بالعرض إلى برّ الأمان وتقديمه لجموع المتلقين الذين كانوا هم أصحاب الحكم والتقييم للعرض ؛لأنهم استقبلوه بروح محايدة وعين واعية، فكان أن أعلن العرض عن حياته وقدرات مبدعيه بنجاح وتميز .
بشراكم في مسرحنا ناقد!
لم يكن نجاح العرض المسرحي هو المفاجأة ؛لأننا كنا نتوقعه، لكن المفاجأة الحقيقية حين اكتشفنا على حين غرة موهبة عبقرية فذة لم نسمع لها صوتا في كل ظروف الوطن العصيبة التي مرت من مسلسل المفخخات إلى مسلسل الاغتيالات، وقد طرحت هذه الموهبة الفريدة نفسها ناقدة ووصية على المسرح العراقي فأفتت وأجهرت وصدحت وترنمت بأن العرض لم يكن بالمستوى اللائق وجادت علينا قريحتها محللة ومسفهة ومتجنية بلغة مفككة وعبارات إنشائية مسطحة ! فكأن هذه العبقرية النقدية التي دلقت نفسها علينا وأباحت لفهمها القاصر بالتجاوز في غير اختصاصها قد رضعت مع ستانسلافسكي ولعبت الدعبل مع مايرخولد ولونت الدمى مع جوردن جريك وأحرقت أصابعها في نيران ارتو وفككت بنية النص الدرامي مع رولان بارت وتخاصمت مع ديدرا حول مفهوم التمثيل وفلسفت الأنثروبولوجيا مع باربا وأمسكت بخناق برخت حول دلالات الملحمية وبزت روبرت ويلسون في تفجير فضاء المسرح ! والحق يقال هي بشرى ما بعدها بشرى بولادة ناقد على حين غفلة من هذا الزمن الأغبر ناقد يفقه في كل شيء ويدرك ما لا يدركه أحد من فنون المسرح والثقافة والسياحة والإعلام والرياضة والرماية والتبليط والبرمجة وفنون السبابة ويحسن العزف على الربابة !! لقد استبشرنا خيرا ورقصنا جذلا، فقد هبط ووقع على صدورنا وكتم أنفاسنا في زمن الديمقراطية والشفافية، ناقد لا يحسن رسم حروفه الإملائية، لكنه يحسن الشتم والتوعد ! ورغم ذلك ما زلنا نؤمن ولن نحيد عن أن المسرح برلمان للشعب تقال من خلاله الحقائق ويعرى الزيف والدجل يبقى المسرح متنفسنا وبوابتنا للحلم والتحليق مع وجود النهازين والمدعين وضيقي الفكر والطامعين بالمناصب والمغانم ، إذ هم شر لابد من تحمله كما هو حال وجود الأمراض المزمنة . وهكذا هو المسرح على مرّ العصور في نضال وصراع من خلال رجالاته وسيداته المفعلين لحركته والممتطين لصهوة مجده يناور لأجل أن يظل برلمانا للشعب متمثلا لأحلامه في حياة كريمة وعيش نبيل لمجتمع الإنسان فيه لا يهان ولا يظلم، مجتمع يعطي المواطن فيه صوته لمن لا يحتال عليه!