TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سينما الكيّات

سينما الكيّات

نشر في: 3 فبراير, 2014: 09:01 م

في التنقل بسيارات النقل العمومي (الكيات والكوسترات وباصات الطابقين الحمراء الحكومية) في بغداد متعة كبيرة أحرص على عدم حرمان نفسي منها.. بالطبع ليس لأن مقاعد هذه السيارات وثيرة ولا لأنها مُبرّدة في الصيف ومُدفّأة في الشتاء، فمعظمها مستهلك أو "تعبان" بالتعبير الشعبي، باستثناء الباصات الحكومية الجديدة... إلى حين!
القدر الأكبر من المتعة، بالنسبة لصحفي مثلي، يتحقق عادة عندما تختنق الشوارع بالسيارات عند نقاط التفتيش لمسافات تمتد إلى كيلومترين أو ثلاثة.. بعض الركاب يتحمل الانتظار في الغالب لعشر دقائق أو ربع ساعة، حتى اذا بدا مسير السيارات بطيئاً للغاية غادروها ليمشوا راجلين الى دوائرهم أو جامعاتهم أو محال عملهم. والذين يبقون يقتلون الوقت الثقيل بالحكايا والاحاديث والنقاشات التي يدور معظمها حول معاناتهم اليومية التي يحمّلون المسؤولية عنها إلى الحكومة، وبخاصة الأجهزة الأمنية، والى مجلس النواب.
صباح أمس، وهو كان للمتنقلين في العاصمة مزعجاً للغاية بسبب التشديد في الاجراءات الأمنية وهطول المطر، التحق بـ "كيتنا" رجل خمسيني أقسم أغلظ الإيمان انه غادر بيته عند الساعة السادسة صباحاً كيما يضمن الوصول الى وجهته قبل الثامنة.. كان الوقت التاسعة الا عشر دقائق، وكان عليه قبل الوصول إلى وجهته، أن يترجل مثلنا عند النقطة التي نزلنا عندها، فالزحام كان لعيناً، وسائق الكيا أعلن انه لن يستطيع مواصلة الرحلة... "ما نوصل للظهر" قال السائق بلهجة اجتمع فيها اليأس والقرف.
هذي الحال تثير نقمة الناس، فانت تسمع انتقادات لاذعة للحكومة والبرلمان واعضائهما الذين تترسخ لدى هؤلاء الناس صورة عنهم بوصفهم "حرامية" و"طماعين" و"غير وطنيين".
في إحدى فترات الانتظار، قبل أن نغادر الكيّا، تجادل اثنان حول اسباب المحنة التي نحن فيها. قال الأول: الجماعة (الذين في الحكم) لا يعرفون شيئاً، قاطعه الثاني: لا والله يعرفون.. يعرفون البوك (السرقة)!. واصل الاول: لا لا ما عندهم علم ولا معرفة بأي شيء.. الاميركان فرضوهم علينا. ردّ الثاني: والله يا عمي كلشي يعرفون، لكنهم يعملون مثل صدام!.. لم ينتظر أن يسأله أحد منا عن علاقة صدام بالأمر وبـ"الجماعة"، فقد واصل قائلاً: عمي، صدام حكمنا بالقوة وعدم الاهتمام بالناس.. ما كان يهمه غير نفسه وعائلته، والجماعة مثله، يريدوننا نبقى نلهث وما نرتاح حتى يبوكون على راحتهم.
في الأثناء مرّ موكب لأحد المسؤولين.. كانت سيارات الموكب تزعق على نحو مزعج.. بعد دقيقتين تقريباً نزل بعض المسلحين وراحوا يجبرون السيارات على التنحي جانباً لتنفتح الطريق للموكب، وإذ كان الأمر متعذراً انتقل الموكب بسياراته السبع أو الثماني الى الجانب الآخر من الطريق، عابراً الرصيف، ليمشي مسرعاً في الاتجاه المعاكس!.. سائق الكيّا علّق بمزيج من الغضب والسخرية: يقولون إرهاب .. هذا مو ارهاب؟
متعة، كما السينما، فالأفلام التراجيدية فيها متعة هي أيضاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram