في التنقل بسيارات النقل العمومي (الكيات والكوسترات وباصات الطابقين الحمراء الحكومية) في بغداد متعة كبيرة أحرص على عدم حرمان نفسي منها.. بالطبع ليس لأن مقاعد هذه السيارات وثيرة ولا لأنها مُبرّدة في الصيف ومُدفّأة في الشتاء، فمعظمها مستهلك أو "تعبان" بالتعبير الشعبي، باستثناء الباصات الحكومية الجديدة... إلى حين!
القدر الأكبر من المتعة، بالنسبة لصحفي مثلي، يتحقق عادة عندما تختنق الشوارع بالسيارات عند نقاط التفتيش لمسافات تمتد إلى كيلومترين أو ثلاثة.. بعض الركاب يتحمل الانتظار في الغالب لعشر دقائق أو ربع ساعة، حتى اذا بدا مسير السيارات بطيئاً للغاية غادروها ليمشوا راجلين الى دوائرهم أو جامعاتهم أو محال عملهم. والذين يبقون يقتلون الوقت الثقيل بالحكايا والاحاديث والنقاشات التي يدور معظمها حول معاناتهم اليومية التي يحمّلون المسؤولية عنها إلى الحكومة، وبخاصة الأجهزة الأمنية، والى مجلس النواب.
صباح أمس، وهو كان للمتنقلين في العاصمة مزعجاً للغاية بسبب التشديد في الاجراءات الأمنية وهطول المطر، التحق بـ "كيتنا" رجل خمسيني أقسم أغلظ الإيمان انه غادر بيته عند الساعة السادسة صباحاً كيما يضمن الوصول الى وجهته قبل الثامنة.. كان الوقت التاسعة الا عشر دقائق، وكان عليه قبل الوصول إلى وجهته، أن يترجل مثلنا عند النقطة التي نزلنا عندها، فالزحام كان لعيناً، وسائق الكيا أعلن انه لن يستطيع مواصلة الرحلة... "ما نوصل للظهر" قال السائق بلهجة اجتمع فيها اليأس والقرف.
هذي الحال تثير نقمة الناس، فانت تسمع انتقادات لاذعة للحكومة والبرلمان واعضائهما الذين تترسخ لدى هؤلاء الناس صورة عنهم بوصفهم "حرامية" و"طماعين" و"غير وطنيين".
في إحدى فترات الانتظار، قبل أن نغادر الكيّا، تجادل اثنان حول اسباب المحنة التي نحن فيها. قال الأول: الجماعة (الذين في الحكم) لا يعرفون شيئاً، قاطعه الثاني: لا والله يعرفون.. يعرفون البوك (السرقة)!. واصل الاول: لا لا ما عندهم علم ولا معرفة بأي شيء.. الاميركان فرضوهم علينا. ردّ الثاني: والله يا عمي كلشي يعرفون، لكنهم يعملون مثل صدام!.. لم ينتظر أن يسأله أحد منا عن علاقة صدام بالأمر وبـ"الجماعة"، فقد واصل قائلاً: عمي، صدام حكمنا بالقوة وعدم الاهتمام بالناس.. ما كان يهمه غير نفسه وعائلته، والجماعة مثله، يريدوننا نبقى نلهث وما نرتاح حتى يبوكون على راحتهم.
في الأثناء مرّ موكب لأحد المسؤولين.. كانت سيارات الموكب تزعق على نحو مزعج.. بعد دقيقتين تقريباً نزل بعض المسلحين وراحوا يجبرون السيارات على التنحي جانباً لتنفتح الطريق للموكب، وإذ كان الأمر متعذراً انتقل الموكب بسياراته السبع أو الثماني الى الجانب الآخر من الطريق، عابراً الرصيف، ليمشي مسرعاً في الاتجاه المعاكس!.. سائق الكيّا علّق بمزيج من الغضب والسخرية: يقولون إرهاب .. هذا مو ارهاب؟
متعة، كما السينما، فالأفلام التراجيدية فيها متعة هي أيضاً.
سينما الكيّات
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2014: 09:01 م