TOP

جريدة المدى > عام > حوار مع الكاتبة الإشكالية أناييس نن

حوار مع الكاتبة الإشكالية أناييس نن

نشر في: 4 فبراير, 2014: 09:01 م

* كوني امرأة يعني لي أساساً حب الحياة و الحفاظ عليها أكثـر من حب السلطة   * لا تنسوا أن الإنجاز يكمن فـي الحب والقدرة على الخلق   في سلسلة الحوارات التي أترجمها عن أهم أدباء العالم في القرن العشرين  ومطلع القرن الحادي والعشرين ،نجد

* كوني امرأة يعني لي أساساً حب الحياة و الحفاظ عليها أكثـر من حب السلطة
 
* لا تنسوا أن الإنجاز يكمن فـي الحب والقدرة على الخلق
 
في سلسلة الحوارات التي أترجمها عن أهم أدباء العالم في القرن العشرين  ومطلع القرن الحادي والعشرين ،نجد في اختلاف الرؤى والمواقف والأساليب  ما يثـري نظرتنا ومعرفتنا  عن الفوارق بين  توجهات مبدعي الشرق والغرب   وتباين مواقفهم مما هو ذاتي واجتماعي ،فنجد  طغيان الفردانية والذاتية المفرطة  لدى الغربيين وعدم لجوءهم الى التنظيرات النقدية  كما يفعل غالبية الأدباء العرب في احاديثهم وحواراتهم -   بينما يحتكم  الشرقيون  - الآسيويون -إلى تبني الهموم  الجمعية وإغفال  ما هو شخصي  وذاتي  غالبا ،ويأتي الحوار مع   ( أناييس نن )   ليؤكد على الفردانية والذاتية في أبرز تمظهراتها  داخل الوعي الغربي – المتمحور حول  أبيقوريته واحتفائه الباذخ بالحياة والمتع.
 
القسم الثاني
بقيت مساهمات أناييس الأدبية مثار جدل متصل في حياتها و بعد وفاتها فقد أشاد الكثير من النقّاد بقدرتها الفريدة في التعبير عن المشاعر الأنثوية واحتفوا بأسلوبها السردي و بصيرتها السيكولوجية ، في حين رأى نقّاد آخرون في إنجازها الأدبي نوعاً من النرجسية المفرطة و محاولة توكيد هويتها الذاتية حسب و توسّعت الهوة بين فريقي النقاد مع نشر عملها ( دلتا فينوس ) بعد وفاتها عام 1977 مع مجموعة روايات أخرى كانت تدور كلها في الفضاء الإيروتيكي كتبتها أناييس أيام عوزها المالي الشديد في مقتبل أربعينات القرن الماضي وقبلها، و من بين هذه الروايات الايروتيكية نذكر : مجموعة القصص القصيرة ( تحت الناقوس الزجاجي ) عام 1944 ، و ( بيت المحرمات ) عام 1936، و ( إغواء المينوتور ) عام 1961 ، و ( كولاجات Collages ) عام 1964 ، و ثلاث روايات قصيرة جداً نشرت بعنوان ( شتاء المكيدة The Winter of Artifice ) عام 1939 
.( يمكن مراجعة مقدمة القسم الأول من الحوار لمعلومات وافية عن الكاتبة او الاطلاع على كتاب (يوميات اناييس نن-دار المدى 2013)
الحوار
* تحكين في روايتك ( القلب الرباعي الحجرات ) و بطريقة درامية عن واحدة من الثيمات المتواترة في يومياتك : التعقيد الكامن وراء طيبة المرأة و عادتها المعروفة - سواء كانت موروثة أم مكتسبة عن طريق التعليم – في وضع حاجات الآخرين و رغباتهم قبل حاجاتها و رغباتها الشخصية . كيف ترين ان هذه الطيبة البشرية الأنثوية ترتبط مع بحث المرأة عن سيكولوجيتها الخاصة ؟
- أعتقد ان هذه الطيبة مفروضة على المرأة و يتم تلقينها لها وفقاً للأخلاقيات المسيحية – اليهودية ، إذ يفترض في المرأة وفقاً لهذه الأخلاقيات الصارمة أن تكون غير أنانية و مكرّسة لحب الآخرين و العمل على إسعادهم فتكون النتيجة المنطقية أن تشعر المرأة أنها واقعة تحت عبء عظيم من الإثم إذا ما خرجت عن نمط المرأة المعطاء ذات الإيثار المطلق للآخرين . تتساءل جونا Djuna في روايتي التي أشرت أليها في سؤالك قائلة : " هل أنا طيبة فعلاً ؟ أم أنني أحاول أن أتواءم مع شكل ما ، أو هيكل ما ، أو نموذج ما منذ البدء ؟ " ثم تواصل جونا تساؤلها عن الأسباب التي تجعلها تنغمس في علاقات مع متمرّدي الروح من الذين لا تقيدهم تلك القيود الثقيلة التي تقيّد روحها ، أناس بوسعهم فعل كل ما تشتهيه أرواحهم ، و بمحض صدفة عجيبة تكتشف أنها كانت طوال حياتها تسعى لرمي أعباء قيودها على كاهل الاخرين . متى ما سلكنا مثل ما سلكت جونا طوال سنواتها سنرى أنفسنا مسؤولين عن الناس الموصوفين بكونهم " سيئين " لأننا نشعر انهم يعيشون في الجانب المظلم غير المعلن من حياتنا في ذات الوقت الذي يتعزّز فيه شعورنا بكوننا " طيّبين " ، و لكن جونا تكتشف ان هؤلاء " السيئين " هم اكثر نزاهة منّا نحن " الطيّبين " لأننا نعاند تلك الرغبات الدفينة الكامنة فينا بينما هم لا يفعلون و هذا اعتراف صعب للغاية و شديد القسوة و له تبعاته و لكنه يستبطن مكافأته الجميلة أيضاً : أن تعرف منذ البدء أنّك وحدك المسؤول عن حياتك و عن أفعالك كلها - بضمنها المظلمة و المسكوت عنها – و إنك متى ما قبلت بهذا سيمكنك ان تتحكم بزمام أفعالك بدل ان تتسبّب هي لك بقلق عظيم يصعب علاجه .
* تعود مسألة انغماس شخص ما في حياة شخص أخر إلى الظهور ثانية في عملك الروائي ( مدن داخلية ) و في يومياتك أيضاً . تقولين في الجزء الخامس من يومياتك : " كتب دي. إج. لورنس بالضد من الانغماس ، و لكن هذا الانغماس هو ذاته ما أحبه و أسعى إليه " . كيف ترين أن هذه الرغبة في الانغماس ترتبط مع سعي المرأة لاستكشاف سيكولوجيتها الخاصة ؟
- الانغماس ميل طبيعي لطالما امتلكته المرأة منذ أقدم العصور ، فعادة تطمح النساء إلى الغوص في دواخل رجالهن و يمكن أن يكون هذا أمراً خطيراً و هو يعتمد أساسا على كيفية اختيار المرأة لشريكها الرجل ، و من جهة أخرى تميل بعض النساء إلى اختيار رجل ضعيف لا يمكنه ان يشكّل تداخلاً مع نموهن الانفعالي و هو الأمر الذي أراه طريقة سلبية في البحث عن الحرية الموعودة للمرأة .
* في مفهومك عن الحب : هل يبدو الانغماس أمراً لا غنى عنه ؟
- نعم و لكن الأمر يستوجب تعريف مفردة " الحب " بشكل دقيق للغاية و هنا أقصد الحب الذي ينطوي على جميع مفردات التعاطف و المشاركة الوجدانية و الفهم الحدسي لمشاعر الشريك ، و أشير بشكل غير مباشر إلى الفعل المعقّد و الممتع للدور الذي يؤديه التناغم بين الشريكين . لا يمكن للانغماس ان يستمر ثابتاً و على إيقاع واحد ، تحدث لورنس ذاته عن هذا الأمر : فثمة أوقات يحتاج فيها الرجل أن يكون وحيداً تماماً مثلما تحتاج المرأة أن تنفرد بروحها وحيدة أحياناً ، ينبغي لكلّ من الرجل و المرأة أن يمتلك روحه الخاصة على الدوام .
* هل لا زلت ترين نفسك " كرة الكريستال التي يرى فيها الناس انسجامهم السحري " كما كتبت في الجزء الثاني من يومياتك؟
- يبدو أن هذا الأمر لا يزال صحيحاً . سمعت مؤخراً عن رسّام كان يحارب الاكتئاب و قرّر في لحظة انهيار مقاومته وضع حد لحياته ، فاشترى الحبوب المنومة اللازمة لعملية انتحاره مع نسخة من يومياتي و عندما جلس ليلاً يقرأ اليوميات قبل أن ينتحر رمى الحبوب المنومة بعيداً و قرّر أنه يريد مواصلة الحياة . ليس ثمة معجزة حصلت : الإيمان بالحياة - سواء كانت حلوة أم مرّة – و رفض اليأس و التبنّي الراسخ لكل مظاهر الحياة يمكن أن تكون معدية للأخرين !! أرى في نفسي شخصا قادرا على إصابة الآخرين بهذه العدوى و عنادي و ثباتي و حبّي العميق للحياة كلها أمور معدية ّ .
* عندما سُئلتِ مرة لماذا لم تسمحي لنفسك بالانفجار للتعبير عن حرّيتك و بعدك عن الخوف ، كان جوابك أن هذا لا يتّفق مع كونك امرأة . هل يمكنك أن توضّحي لماذا أجبت هكذا ؟
- لطالما كنت مشغولة إلى حد الهوس بفكرة التسامي على الغضب و تحويله إلى طاقة أو قدرة تخليقية ، و أردت على الدوام أن نتمكن من تحويل عواطفنا السلبية - كالغيرة و الحسد - إلى نظائر إيجابية و إن دور المرأة كصانعة سلام peace – maker فكرة متجذّرة عميقاً في داخلي لأن هناك على الدوام حاجة مستديمة لموازنة حب الرجل للحرب و العداء الطبيعي المتأصل في داخله .و لاتزال هذه المسألة تشكّل هاجساً كبيراً لي و أتطلع إلى حدوث الثورات و التطوّرات دونما مظاهر عنفية مؤذية ، إن كوني امرأة يعني لي أساساً حب الحياة و الحفاظ عليها أكثر من حب السلطة التي لا تزال الهاجس الأعظم و الأكثر مأساوية بذات الوقت للرجال ، فالتأريخ كما نعلم هو سعي حثيث من أجل الاستحواذ على السلطة .
* كتبت مرّة : " إن البعد المأساوي للحب يظهر فقط عندما يحاول أحد ما أن يزاوج بين حب مفتوح النهايات مع حب محدود . كل ما حولي يهمس لي أن الواحد لا يكفي ، و الاثنان لا يكفيان ، و النساء اللواتي اعرفهنّ يبحثن دوماً عن إضافة حب فوق الآخر . " . هل ترين أن هذه الرغبة في " إضافة حب فوق الآخر " يمكن أن تتوازن مع مفهوم الزواج المشروع الذي يحكمه القانون ؟
- أعتقد أننا سنستغني عن مفهوم الزواج المحكوم بالإجراءات القانونية خلال السنوات القليلة القادمة ، فمسائل مثل الزواج و الطلاق لا ينبغي لها ان تكون سلعة يتكسّب من ورائها المحامون المتلفّعون برداء القانون ، و ينبغي للمجتمع أن يدرك أن كل الأطفال متساوون سواء جاؤوا من زواج قانوني أو بأي شكل أخر من أشكال العلاقة بين المرأة و الرجل . ينبغي للزواج أن يكون محض خيار حرّ لشخص حر ليكون في المركز من حياة شخص آخر ، و إن فكرة العلاقات المتعددة كانت تعدّ على الدوام أمراً مفروغاً منه بالنسبة للرجل و أرى ان ذات الشيء ينبغي أن يحصل مع المرأة.
* عندما تأكد أن الحرب العالمية الأولى باتت على الأبواب كتبت في يومياتك : " البطل المعاصر هو من يستطيع الإمساك بلجام عصابه neurosis و لا يسمح له أن يستحيل عصاباً جمعياً ،،، هو من يكافح بالضد من الأساطير المؤذية التي تلحّ عليه و تدعوه إلى القتل و يعلم تماماً أنه هو من صنعها ،،، هو الذي يدخل المتاهة و يحارب الوحش القابع فيه " . ما الذي يمكنك ان تقوليه لتشجيع هؤلاء الذين لا يزالون خائفين من اتخاذ قرار المشاركة في " الرحلة الخطرة " للحياة ؟
- سأقول لهؤلاء : احتفظوا دوماً برؤيتكم عن الهدف الأسمى ، و عيشوا حياة رحبة خالية من موجبات القلق و الصراع القاتلين ، و لا تنسوا أن الإنجاز يكمن في الحب و القدرة على الخلق ، و لا تدعوا الإحساس المبهج بالإنجاز العميق يفلت من بين أيديكم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram