بانتظار أن يعلن المشير السيسي ترشحه لمنصب الرئاسة في مصر، واصلت جماعة الإخوان المسلمين عملياتها الإرهابية، وتراجع مُترشحون مُحتملون عن الفكرة، لقناعتهم بعدم القدرة على مُنافسة المشير، الذي يحظى بشعبية غير مسبوقة، بعد استجابته للمطالب الشعبية، بالتخلص من حكم المرشد وإخوانه، وإعادته مصر إلى هويتها المعتدلة الوسطية، التي يحرص عليها أبناء وادي النيل، مع رفضهم لأي تطرف في السلطة، كالذي كان واضحاً خلال السنة المظلمة من حكم الإخوان، الذين ترفض الجماهير أي مصالحة معهم، بعد أن أوغلوا في دماء المصريين.
يتشدق البعض بأن ترؤس السيسي لمصر، يعني العودة إلى حكم العسكر، ويتناسون حقائق تاريخية، تولّى فيها عسكريون حكم بلادهم، لكن الحكم ظل فيها مدنياً وديمقراطياً، ومنهم رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، والجنرال ديغول الذي انسحب من قصر الرئاسة، لمجرد أن الشباب تظاهروا منددين بسياسته، ويغمض هؤلاء أعينهم عن أن السيسي أمهل مرسي العياط ومعارضيه أسبوعاً، للتوافق على صيغة تحفظ أمن البلد ومواطنيها، وتمنع انزلاقها إلى نفق مظلم، غير أن الإخوان تمترسوا في ميدان رابعة، فيما وقع الملايين وثيقة لسحب الثقة من الإخوان، وطالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة.
اعتمدت قيادة الإخوان أسلوب المغالبة، فبعثت قيادتهم من المقطم للمواطنين بعدة لاءات، لا حكومة جديدة ولا استفتاء، لا انتخابات مبكرة ولا تنازلات لحل الأزمة الحالية، ولا تراجع في موقف الدفاع الثابت ،عن "الشرعية"، وهكذا دخلت المحروسة دائرة الخطر فما كان من جيشها غير أداء واجبه الوطني والشرعي في حمايتها، بعد أن شهدت عاصمتها تظاهرات مليونية، رفعت شعار "إرحل" في وجه العياط، مُستنسخة تجربتها مع مبارك، ولم يكن أمام السيسي غير الاستجابة وقد فعل.
بديهي أنه لولا موقف الجيش، وقد وصفته القيادات الإخوانية، بأنه أسوأ من جيش مسيلمة الكذاب، لما كان مُمكناً إطاحة مبارك ومرسي، لكن موقف الجيش وحده ليس كافياً لحمل السيسي إلى قصر الاتحادية، وهو لذلك يعتمد على شعبية، تعتمد بدورها على تاريخ المؤسسة العسكرية، وحضورها في حياة الناس ومعاشهم، وهو حضور يتعدى بمراحل، ما كانت توهمته جماعة الإخوان عن نفسها، حين تغوّلت باحثة عن التمكين والتهميش والإقصاء، معتمدة على دعم واشنطن والتحالف مع أنقره، ما أجج مشاعر المصريين الوطنية، التي انصبت على دعم جيشهم الوطني.
لم يتصدّى السيسي للمشاعر الدينية عند مواطنيه، فكسب المتدينين الرافضين لتشدد الإخوان، وهم اليوم يقاتلونهم بالتآزر مع جيشهم الوطني، وإذا نظرنا إلى مجمل النظم والقرارات الرئاسية منذ إطاحة مرسي، سنكتشف دون عناء، سعيها لتأكيد ديمقراطية النظام المقبل، ولذلك نشهد تأييداً لافتاً من كافة القوى الليبرالية والمستقلة لرئاسة السيسي، البعيد حتى اللحظة عن طموحات الزعامة القومية، على طريقة عبد الناصر، التي استثارت عداء معظم الأنظمة ضده، بما فيها البعث، ولعلّه في ذلك يتبع خطى مبارك، التي أمّنت لبلاده وضعاً اقتصادياً مريحاً إلى حد ما، من خلال انتشار العمالة المصرية في العالم العربي، والمعونات والاستثمارات التي تدفقت على مصر.
لن يستعجل السيسي التسوية السياسية مع الإخوان، لتجنب فقدان من يرى أنها تنازلات لجماعة مرفوضة، لكن ذلك لن يُلغي دور البراغماتية مستقبلاً، إن كان فيها إنقاذ مصر، وربما يكون ذلك مُتاحاً من خلال التعامل مع شباب الإخوان، المدركين لخطيئة قيادتهم، التي برزت إبّان حكمهم، ودمرت تجربتهم، وربما دفعت الجماعة بقيادة جديدة، تقر بالوضع الجديد، وبالتعاون مع السيسي، حين يتولى الرئاسة، مُمسكا بتأييد الجيش وكل القوى الفاعلة في المجتمع، وكان الله في عون من يحكم مصر، في أيام هي الأقسى والأصعب عبر تاريخها الطويل.
السيسي رئيساً
[post-views]
نشر في: 4 فبراير, 2014: 09:01 م