العلامة الفارقة في فيلم ( وعد –A promise ) هي امتلاكه تلك الرومانسية الرائعة المفعمة بالنظرات الصامتة والإيماءات الهادفة فضلا عن العواطف الخفية، دارت أحداثه في ألمانيا عام 1912 قبل الحرب العالمية الأولى , ارتبط الف
العلامة الفارقة في فيلم ( وعد –A promise ) هي امتلاكه تلك الرومانسية الرائعة المفعمة بالنظرات الصامتة والإيماءات الهادفة فضلا عن العواطف الخفية، دارت أحداثه في ألمانيا عام 1912 قبل الحرب العالمية الأولى , ارتبط الفيلم من ناحية الأسلوب السينمائي بالسينما الكلاسيكية القديمة , سواء في البناء والسرد وتطور الأحداث أو من خلال إيقاع هادئ ورصين اعتمد هذا على التمثيل وعلى محاكاة الأجواء والمدة الزمنية التي كانت سائدة آنذاك , فهو عودة إلى عصر الأفلام الرومانسية المثيرة للمشاعر . تعود شهرة المخرج الفرنسي باتريس ليكونت لجماهيره وعشاقه الناطقين باللغة الإنكليزية واهتمامه الكبير في الأفلام الناطقة باللغات الأجنبية الأخرى حيث كان من المفترض أن يتم تصوير الفيلم في ألمانيا ويكون الإنتاج مشتركاً , بيد ان ذلك لم يحصل كون المخرج لا يجيد التحدث بالألمانية بعد ان أقر بأن " تصوير الفيلم في ألمانيا يجعلني أشعر بالغرابة بعض الشيء " استطاع المخرج ان يكسب شهرة واسعة وهو في سن السادسة والخمسين عاما حينما اعتبر الإنكليزية لغة عالمية ،فهي قادرة على الوصول إلى أوسع الأسواق العالمية كما سمحت له بالعمل مع الجهات الإنكليزية الفاعلة وكان يحلم بهذا الشيء منذ أمد طويل .
حاجز اللغة
لم يجد المخرج لينكونت اللغة عائقا بوجه فريق العمل , إذ يقول " كانت اللغة سهلة جدا ومتناغمة "ومرد ذلك إلى ممثليه الذين أدوا أدوارهم باحترافية عالية وإتقان ويضيف " عندما تحدثت مع فريق العمل كانت القرارات سريعة ،بعد ذلك عرفت بالضبط ماذا أريد .فالممثلة ريبيكا هول كانت ملائمة تماما مع المكانة الاجتماعية لشخصيتها وقد أضفت بعض الخفة والسعادة والمتعة على أجواء الفيلم . أما ( ألان ريكمان )فقد كان أداؤه في غاية الروعة ومثيرا للأعجاب . إن مثلثات الحب ليست بجديدة في السينما العالمية ،بيد ان فكرة وجود رجل وامرأة يحبان بعضهما دون ان يجرؤ احدهما على إعلان ذلك . إن الشيء المميز للاهتمام حقا هو ذلك الوعد حينما أقسمت ( لوتي ) لفريدج قائلة " سأكون لك إلى آخر يوم في عمري"
اختار المخرج ليكونت لفيلمه ثلاثة من الممثلين البريطانيين، وجعله ناطقا بالإنجليزية بهدف منحه فرصة أكبر في التوزيع داخل بريطانيا و أمريكا ، لاسيما أنه مقتبس من عمل أدبي يعد من الكلاسيكيات الرومانسية. جسد كل من ربيكا هول وآلان ريكمان وريتشارد مادن الجوانب الثلاثية لمثلث الرومانسية (الزوج والزوجة والعشيق ) العمل الدرامي ( وعد ) للمخرج باتريس ليكونت يصور أحداثا وقعت في بداية القرن العشرين في ألمانيا حول امرأة متزوجة تقع في حب ربيب زوجها .لعبت القصص الرومانسية دورا مهما في شهرة المخرج ليكونت ،ولعل تحفته الرائعة " زوج حلاقة الشعر - 1991 " و " فتاة على الجسر " من أروع أعماله السينمائية وها هو يعود ثانية ليتناول البرود العاطفي والجنسي لفيلمه الأول الناطق باللغة الإنكليزية .
يعد الفيلم من النوع الميلودرامي الرومانسي بالرغم من بساطة الموضوع وكونه مألوفا، تمكن المخرج من السيطرة على تكوين اللقطات و الاهتمام الكبير بالإضاءة الطبيعية وحركة الكاميرا المحسوبة بدقة فضلا عن تصميم الملابس الذي يراعي بشكل مدهش كل تفاصيل الزمن واختيار مواقع التصوير و الموسيقى التي تلعب دورا في إشعال العاطفة التي تبقى رغم ذلك مكتومة .
قصة الفيلم
إن الحدث الرئيسي لقصة الفيلم هو ذلك " الوعد" الذي قطعته لوتس لفريدرج ،بيد انه جاء متأخرا جدا . يقول المخرج " إن فكرة الفيلم أعطتني شعورا محيرا ،إذ لم يكن من السهل وجود كل هذه المشاعر التي حجبت أثناء التصوير أن تنتهي بجفاف المشاعر وتجلد العواطف إنما أرادت وراء حجب هذه المشاعر إيقاظ الشعور بالدفء لآخر مشاهد الفيلم " يقول لينكونت " نحن نعيش في مجتمع يعطي مساحة صغيرة جدا للمشاعر، وإن هذا لشيء محزن وأنا بالتأكيد لا أخجل أن أقول انه من المهم حقا بالنسبة لي من خلال هذه المشاعر والأحاسيس أشعر بأني على قيد الحياة وبفضلها أستطيع أن أستيقظ كل صباح "
يكتشف من خلال مسار الفيلم أن الزوجة الشابة اضطرت للزواج من الرجل بعد ان أنقذ عائلتها من الضياع الاقتصادي بعد وفاة عائلها , وأصبحت تدين له اكثر مما ترتبط به عاطفيا , وربما كانت تختزن مشاعرها إلى حين تلتقي بالرجل الذي يشعل هذه العواطف ويلهبها . لعب الممثل ( ريتشارد مادن ) دور فريدرج الذي تربى في حي متواضع في المدينة حيث تخرج حديثا من كلية الهندسة بتقدير امتياز ليجد وظيفة في أحد مصانع الحديد ،ثم انه بذل جهودا كبيرة لينال قبول ورضا رئيسه في العمل كارل هوفمستر الذي لعب دوره الممثل ( آلان ريكمان ) ليتبوّأوا مناصب عليا بالشركة خلال مدة قياسية . وعندما تعتل صحة رئيسه في العمل يجبره على القيام ببعض أعماله المنزلية وكذلك يجعل له مكتبا داخل بيته . يقسّم فريدرج جهده ووقته بين المصنع وبيت صاحب العمل بيد ان طموحه يرتقي إلى ابعد من ذلك حينما يلتقي بـ(توتي ) زوجة هوفمستر صاحب العمل التي جسدت دورها الممثلة ( ريبيكا هول ) تلك المرأة الحسناء التي لديها ابن في العاشرة من العمر أنجبته من زوجها يعكف ( آلان ) على مراجعة الدروس مع الولد في أوقات فراغه . فيبدأ بتوجيه نظرات عاطفية إلى لوتي في حين هي تكتم وتكبت مشاعرها تجاهه بالرغم من أنها تبادله نفس المشاعر بيد أنها تمتنع تماما عن خيانة زوجها ,وترغم فريدرج على ضبط مشاعره ،كما أنها تصر على إبقاء العلاقة بينهما علاقة رومانسية بريئة ,غير ان الزوج يعلم بما يجري ويلتزم الصمت حتى يأتي ذلك اليوم الذي يطلب فيه من الشاب مغادرة ألمانيا إلى فرع الشركة في المكسيك للإشراف على المشروع الضخم الذي كان من بنات أفكار ذلك الشاب يقوم بإنتاج وتصنيع المواد الخام اللازمة في تطوير الصناعات التي تنتجها الشركة . وفي إحدى حفلات دار الأوبرا المسائية في الضاحية لم يكن بمقدوره كتم عواطفه ،الأمر الذي أدى به إلى مصارحتها بحبه لها عندما علم ان زوجها سيرسله إلى المكسيك ليدير احد فروع الشركة هناك. فوعدته ان تكون له عندما يعود بعد سنتين ،بيد ان الحرب العالمية الأولى اندلعت وتتقطع جميع الطرق ليترك لوتي وحيدة وتغدو السنتان ثماني بسبب اندلاع الحرب .
يعترف الزوج المريض لزوجته وهو على فراش الموت بأنه كان يحاول ان يقرب بينهما , وكان يمكنه ألا يجعلها تحب هذا الشاب الذي أحبته وأن يقطع العلاقة في مهدها , لذا قرر إبعاد الشاب عنها بعد ان وجد أنها تحبه اكثر منها . وبعد وفاة الزوج تكتب رسائل عديدة لفريدرج إلا انه لا يستلم منها شيئا بسبب انقطاع جميع الاتصالات ،ومنها البريد خلال تلك الحرب.
استلهم كاتب السيناريو ( جيرومي تونير) قصة الفيلم من رواية الكاتب والقاص النمساوي الشهير ستيفان زيفايج (رحلة إلى الماضي )التي امتازت بالتحليل النفسي كما اختص بكتابة سير العظماء وتناول أدق تفاصيل حياة الأدباء و بناة الفكر والأدب والفلسفة ،أمثال نيتشه و دوستويفسكي و رومان و بلزاك , إن مبيعات أعماله الأدبية سجلت أرقاماً قياسية في العديد من الدول حيث ترجمت إلى لغات عدة. وتعد رواية (أتوبيوغرافيا ) التي تؤرخ الحرب النازية وهزيمة العقل ودمار النفس واغتيال الأحلام من أبرز أعماله الأدبية . غن أدب زفاريج يغلب عليه طابع الوصف للحالات النفسية والرومانسية .
لقد امتازت أجواء الفيلم بطغيان المشاعر الجياشة والعواطف الدافئة , أما الإنتاج وتصميم الأزياء فكانت ملائمة ومقبولة ،إذ لم تكن عادية ،وبالتأكيد فإن الفيلم كان بوجه العموم بعيداً عن إمكانات المخرج ليكونت وإنجازاته السينمائية السابقة.