عامر القيسي واحدة من حقائق الوضع العراقي القديم منه والجديد ان الرياضة عندنا ارتبطت بشكل او بآخر بالسياسة علنيا مرّة وسريا مرّة اخرى. ففوز المنتخب العراقي الاول ببطولة امم اسيا 2007 كان رسالة واضحة، ليست بخصوص قوة الكرة العراقية،
بل ان العراق موجود رغم كل الكوارث التي صبت أو التي صبّوها على رأسه. رسالة وجهت من خارج العراق في الوقت الذي كانت المفخخات تملأ شوارع بغداد وكان الموت شبحا يتجول في الازقة والبيوت وغرف النوم والمدارس , وحينها خرج العراقيون من كل زاوية وزقاق ليحتفلوا بطريقة كانت واضحة ولا لبس فيها ان الاحتفال لم يكن من أجل الانجاز الرياضي بحد ذاته. لقد خرج الناس الى الشوارع ليحاربوا الموت ويعيدوا تشكيل الحياة العراقية تحت لافتة الرياضة. واليوم ومن كردستان العراق طارت رسالة جديدة الى العالم ايضا اطلقها شباب الرافدين مطرزة بفرح من طراز خاص، رسالة طارت مع نهاية المخاض العسير لقانون الانتخابات بالرغم من كل الملاحظات السلبية عليه وعلى افرازاته القادمة. والاجمل ان الرسالة كانت مزدوجة بنهوض الحياة العراقية على اسس وطنية تلقم المتشككين حجرا في افواههم وتكسر اقلامهم الصفر التي طالما شككت كثيرا بوحدة العراق وانتماءات الشمال للجنوب والجنوب للوسط والوسط للجميع والجميع في العراق. فوز رياضي برسائل سياسية واضحة الاهداف والمقاصد، وهي رسائل جميلة وانسانية، لاعنف فيها ولا تهديد ولابطش الفارغ منه والملآن، رسائل تقول لمن يحبون العراق: نحن هنا ولأعداء العراق: صناعة الحياة مهنتنا وصناعة الموت مهنتكم. في زمن انقرض في التاسع من نيسان 2003 كان فوز الرياضيين العراقيين في اي محفل، هو من بركات (السيد الرئيس وابنه) الذي طالما قال بمناسبة ودون مناسبة ان المنتخب العراقي من حصته وكأنه إرث شخصي له ولعائلته، وكل انتصارات المنتخب كانت ببركاته التي لاتعلوها بركة، ولا احد ينسى من الرياضيين السطوة التي كان يمارسها عليهم والعقوبات القاسية وغير الانسانية التي كانوا يتعرضون لها بسبب خسارة هنا او هناك! الذي يحققه الرياضيون العراقيون الان يحمل دلالات حضارية من طراز رفيع تؤكد قدرة العراقيين على اعادة تشكيل الحياة بنموذج شخصية عراقية من طراز حضاري ايضا. شخصية تريد ان تصرخ في وجوه الذين يتفرجون علينا من(الاشقاء والاصدقاء).ان كل المراهنات على موت طائر العنقاء العراقي سترمى في مزابل التأريخ على ايقاعات الحياة العراقية الجديدة رغم كل الجنون الذي يلفها ويحاول ان يمنحها هويته، رغم كل الاخطاء والكوارث التي نصنعها بعض الاحيان بأيادينا، ورغم الاحقاد السود التي يفرغها البعض هنا وهناك متمددا على سرير الديمقراطية العراقية الجديدة. نقول رغم كل ذلك نواصل نحن، كشعب، صناعة الحياة متمثلة في الرياضة والفن والثقافة والفلسفة وقصيدة الغزل ورسائل المراهقين وقبلات الاحبة وشوق المهاجرين والمهجرين. سنواصل صناعة الحياة من كل الاشياء الجميلة من حولنا، الاشياء التي تتيح لنا فرصا حقيقية للتحضر وفتح ابواب المحبة والتسامح على مصاريعها باستثناء الرياح التي تهب محملة بالسموم! هل هذا كلام في السياسة ام في الرياضة؟
اسود الرافدين مرّة اخرى
نشر في: 16 نوفمبر, 2009: 04:54 م