TOP

جريدة المدى > عام > 3000 .. المدى تواصل التألق

3000 .. المدى تواصل التألق

نشر في: 5 فبراير, 2014: 09:01 م

بيتي الذي أعدت فيه اكتشاف ذاتي  غادة العاملي يقولون أن من الصعب ان يكتشف الانسان ذاته وهو مغرق في تفاصيل حياته اليومية، والأكثر صعوبة في ان تحيا وأنت مدرك بصفرية الفرص كونك تعيش في ظل نظام، أطَّر الوطن وسقَّف الطموح . كنا أنا ومحمد الغزي وداود وه

بيتي الذي أعدت فيه اكتشاف ذاتي

 غادة العاملي

يقولون أن من الصعب ان يكتشف الانسان ذاته وهو مغرق في تفاصيل حياته اليومية، والأكثر صعوبة في ان تحيا وأنت مدرك بصفرية الفرص كونك تعيش في ظل نظام، أطَّر الوطن وسقَّف الطموح .
كنا أنا ومحمد الغزي وداود وهادي جلو وشباب آخرين، نعمل كمحترفين في صيغة هواة، عمرنا لا يعطينا الحق في التقدم وتجاوز ممكنات العمل في الصحافة الاسبوعية ، كنا نحلم، نتحدث بصوت عال، نخطط لمشاريع كبيرة ونضحك في قرارة أنفسنا من شطحات الخيال، ولكننا في سرنا كنا بانتظار فرصة الاكتشاف .. لم نكن بحاجة الى المال ولم تكن السلطة هي هدفنا ومشروعنا كنا بحاجة للتعرف على ذواتنا في أجواء حرة تفصل بيننا وبين خيوط ارتباطنا باللاممكنات.
لم تكن لحظة عابرة حينما ألح علي احد الأصدقاء للتعرف على مجموعة تسعى لإصدار مطبوع تردد اسمه كثيرا،كمجلة وكتاب ونشاط، اقتادني محمد الغزي وانا البطيئة الحركة والاستجابة لمثل هذه الدعوات، لأدخل عالم اسمه (المدى)، وجدت طريقي الى صحيفة، في أولى خطواتها. كانت أسرتها في بداية التكوين، وكان المؤسسون الاوائل قد احتلوا مواقعهم في اقسامها وصفحاتها وهيئة تحريرها. في زاوية من المكتب المؤقت، أخذت مكاني في القسم الفني، وكان التعويل والتحدي على الشكل الذي ستخرج بها المدى. وما سيميّزها وسط عشرات المطبوعات الاخرى.
كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، والترقب. ورغم الوشائج الصداقية التي تجمع أغلبية الزملاء، الا ان الاهتمام كان يتركز على القادمين من الخارج.
لا استطيع إنكار قلقي من البيئة الجديدة التي رأيت نفسي أتحرك فيها. لم تكن السياسة مصدر قلقي، بقدر معرفة أسلوب التعامل، ووجهة تطور العمل، والتعاون بين الزملاء لتسوية ما يعترض استكمال كيان الصحيفة واقسامها، والاهم من ذلك العلاقات الانسانية التي تسود أجواء الصحيفة وفيها زملاء قدِموا من بيئات مختلفة وبلدان مختلفة تتباين فيها الثقافات ومستوى تكور العمل الصحفي والإعلامي.
منذ الايام الاولى من الانتقال الى مبنى المدى، زال قلق الجميع. وباشر الجميع نشاطهم بحيوية وحماس، وكأننا جميعاً، ننتظر ولادة عزيزة لنا، طالت غيبته.
صدرت المدى.
ومنذ صدور العدد الاول ، اكتشف كل واحد منا بصمته فيه، وازداد إحساس كل واحد منا، بالانتماء الى الأسرة الجديدة التي تكاملت، وتحول القلق الذي انتابني، لحظة الانضمام الى إحساس عميق باكتشاف ذاتي، كما لو انني لم اكن اعرف بعض ما كان كامناً فيها، ينتظر الانبعاث.
٣٠٠٠ الاف عددٍ من المدى، هي المسافة التي تفصل بين اكتشاف الذات ، والعبور الى المستقبل..
وليس مثل تتبع خطوات مولود يتوثب في رحلة الحياة، وتكامل قسماته ويصبح علامة مشرقة على التحدي والثقة والإقدام في الانتقال الى المستقبل..
٣٠٠٠ عدد، نهاية مرحلة وبداية امل لعله يطل علينا، ونتجاوز به، مشقة حياة تتنفس الحرية بصعوبة ..
 
عن أحلامنا المدى

 قاسم محمد عباس

في الاحتفال بهذه المناسبة فرصة لي لاستذكار أصدقاء أحبة ، تشرفتُ بالعمل معهم في المدى في سنواتها الأُول ، فدخولي إلى فضاء مؤسسي المدى ، أصدقائي الذين تحدثت عنهم أشبه بالخوض وسط بحر من الحساسية والذائقة الاستثنائية ،والخبرة الصحفية الرصينة، ولن أبالغ لو قلت كان عبوراً وسط مجموعة من المتأملين المخلصين الذين زودتهم خبرتهم الحياتية بمعرفة كبيرة ، والهَمتهم ثقافتهم نبلاً ونزاهة فكرية ، فكان بمقدورهم أن يجعلوا من العمل الكتابي في صحيفة مكاناً للنقد ، ونشراً لرغبة التعلم ، وهوساً بمهنية حقيقية لملاحقة الحقائق.
كانوا قد خططوا للمدى لأن تكون منبراً حراً، ومشروعاً حقيقياً للخطوات الأولى لتأسيس إعلام وطني مخلص... ولا يمكنني نسيان تلك الأيام الأولى حيث الحرائق تتواصل ،والشوارع الخالية ،والبلاد منهوبة، وبغداد كما لو كانت سوقاً تحترق وتخرب وتسرق .. وسط هذه الأجواء المرعبة كانت مجموعة محترفة من المثقفين ورجال الصحافة تتملكهم عزيمة غريبة لإصدار المدى ، وشاءت ظروفي وعلاقتي بأصدقائي أن أكون بينهم، هؤلاء الحكماء أصحاب العقول المنتظمة، الذين خرجوا من حقبة طغيان وهم يحملون حلماً بالحرية ، فأول ما كنت أهدف إليه هو التعلم منهم ومن ثم العمل معهم ، وكان لسان حالهم : إنها فرصة انسانية حقيقية للحلم بالحرية .. والكتابة بحرية .. والسعادة بحرية ... وهكذا كنت أنا القادم من الدرس الأدبي ، والبحث الديني وسط مجموعة صحفية صعبة الإرضاء كتابياً ، اقترحوا أن أدير القسم الثقافي في المدى ، فتشجعت بسبب هذا الحرية التي تلهب عقولهم مجموعة هاجسهم الصدق .. وسلوكهم الشجاعة .. وخبراتهم عميقة .. مواقفهم نزيهة .. فكان الأمر أقرب إلى حلم قد تحقق بالفعل ، ألا وهو اللقاء بأصدقاء لي في الحياة ضمن مشروع عمل في صحيفة المدى التي أوكل صاحبها ومؤسس دار المدى مستقبل صحيفته بيد الأصدقاء الذين أتحدث عنهم ، لتولد ( المدى .. الصحيفة ) من بين أنقاض عام 2003 صوتاً معتدلا منفتحا تنويرياً ، بعد انهيار أربعة عقود من السواد والحروب والجوع والقمع والموت .. وخُطِط للمدى كما خُطط لغيرها من الصحف أن تكون تعويضاً منصفاً لصحافة عراقية قد تم تدميرها على يد النظام السابق.
في الاحتفال بذكرى بلوغ العدد 3000 من المدى وحينما اتصل بي الأخ علاء المفرجي لأن أكتب شيئاً .. وجدتني أفكر بحجم الأحلام الهائلة التي حلمت بها عام 2003 ، وحتى أهرب من خيبة تحطم الاحلام التي اجتاحت قلوبنا لا مناص من استذكار أصدقائي، أصدقائي الذين تعلمت منهم وتربيت على أخلاقهم ومعرفتهم ، الذين تبين أنهم أبقى وأجمل وأروع من أي حلم، ظروف صدور المدى أو حتى الاحتفال بصدر العدد 3000 هو الاحتفاء بمشروع حقيقي ، كان صوتاً صارخاً ، حادّاً مسموعاً وسط الانفجارات والاغتيالات والتهديدات.
ستظل تجربتي في المدى بالنسبة لي في الأقل في سنواتها الأُول أشبه بالعمل والتعلم على يد صفوة من الأصدقاء هم اقرب إلى تجربة متكاملة .. ومع الاحتفاء بمشروع المدى الذي بلغ العدد 3000 لا أعرف هل نحن نحتفل لنتأكد من تحقق ولو بعض أحلامنا ؟ أم يتوجب الحديث عن الأصدقاء الذين هم الشهود على ضياع أحلامنا ببلاد تسبح في الدم ؟ ولماذا يجب العودة إلى أيام عام 2003 ؟ ولماذا الرجوع إلى صواب البدايات ورومانسيتها .. ؟ ولماذا تكاد تضيع فرصة بناء بلاد تحلم بالحرية ؟ أسئلة تثيرها الذكرى هذه، فالمدى بالنسبة لي في سنواتها الأُول تذكير لنفسي بحجم الأحلام التي كنا نحلم بها جميعاً .. تذكير لنفسي بأيام رائعة قضيتها رفقة أصدقاء عشت معهم زمناً طويلاً تحت القمع والحرب والجوع ، وعشت معهم في المدى ولم نزل معاً.. وأصدقاء تناثروا في البلدان وتركوا في قلبي ذكرى تلتمع وتشع كلما احتفلنا بالمدى .. أبارك للمدى بلوغها العدد 3000 .. وأقول لأصدقائي أنتم جوهر هذه الذكرى وحقيقتها .

 

 
"المدى" الإعلام الحر والمهني والشجاع

 عبدالزهرة زكي

في عيد تأسيس صحيفة، أو أية وسيلة إعلامية، يكون تطلع الصحفيين العاملين فيها متجهاً نحو المستقبل، كيف يمكن أن تكون الصحيفة عليه، لكن صحفييها القدامى عادة ما ينظرون إلى الماضي، إنها مناسبة لتنشيط الذاكرة وتفعيل الذكرى. لكن الحياة مع أيام المدى أوسع من ذاكرة وأعمق من ذكرى، حياة امتزج فيها الطموح بإلارادة وتداخل معها الأمل بإمكانات التوثب نحوه. رغبة حقيقية بالتأسيس لإعلام حر ومهني وشجاع، إعلام كان يطمح لخلق تقاليد لم نألفها لكن نعرفها ونتهجى الوصول إليها، وكان من حسن حظ المدى، وهو من حسن بصيرتها أيضاً، أن توفرت على نخبة ممتازة من صحفيين وفنيين نجحوا جميعاً في أن يخلقوا نواة حية لصحيفة يمكن الاعتداد بها. في ألمانيا، أواخر عام 2004، كنت في وزارة خارجيتها بلقاء جمعني مع كبار موظفيها، كان بينهم مسؤول دائرة العراق، حين أكد لي أن المدى هي مصدرهم الأشد موثوقية عن أحوال العراق، رأياً وخبراً. كان هذا دافعا لأن يشعر المرء بقيمة ما يعمل وأن يعتز بهذا الذي يعمله. في داخل البلد لم تكن الانطباعات بعيدة عن هذا؛ فالمدى حينها كانت تسعى لأن تكون من عوامل بناء العملية السياسية، وكان جزءاً من هذا الدور الذي اختطته هو ممارسة النقد والمراقبة بحيوية وشجاعة ومهنية، وحصل أن طال النقد الجميع، وكان للجميع أن استقبلوا النقد بروح بناءة متفاعلة مطمئنين إلى نزاهة هذا النقد وترفعه على الهوى والاستخدام السياسي، وكانت بين هذا الجميع قوى وفصائل مسلحة تعرضت لما تعرض له الآخرون وتعاملت بأريحية وطول بال مع النقد الذي تلقته من المدى في تلك السنوات المشحونة. سيكون من الأمانة أن أقول إن جهد وإرادة العاملين وحدهم ما كان له أن يكون بهذه الفاعلية المهنية والحرة لولا أن الصديق الأستاذ فخري كريم، وفي إدارته الصحفية للجريدة، وفر لنا كفريق عمل متضامن ومسؤول الحرية الكافية لتقرير وتصريف طبيعة العمل اليومي في الصحيفة. مثل هذه التجربة نادرة في ما نعرف من إعلام، لكن التجارب النادرة وحدها التي تخلق صحيفة ينبغي لها أن تظل دائماً تتطلع ما يعزز التقاليد وينميها. من خلال هذه المناسبة، أحيي زملائي وقد تفرقت بنا السبل بعد هذه السنوات وباعدت بيننا الأماكن. أحر تمنياتي للعاملين في المدى بالنجاح والتقدم.. وكل عام والمدى بخير.

 
المدى مشروعا تنويريا

 د. صفاء صنكور

ولدت المدى (الصحيفة) مشروعا تنويريا محملا بالوعود في لحظة مفصلية من التاريخ العراقي المعاصر. لحظة نادرة في هذا التاريخ في فوضى عالم يتداعى وآخر لم يولد بعد.
وسط رماد فجيعة وركام قهر واستبداد وصدمة احتلال وانهيار بقايا بنى دولة وطنية نخرها القمع والفساد، اجتمعت نخبة من أكثر المثقفين العراقيين حلما بالتنوير وأكثرهم صدقا للنهوض بحلم "المدى"، والنفخ في الرماد بحثا عن جمرة حقيقة متوهجة أو بقايا أسس يمكن البناء عليها للنهوض بمشروع تنويري على درب استعادة بناء الدولة الوطنية العراقية، واحياء بنى مجتمعها المدني وقيمها الحضارية بكل جذورها الحية المتنوعة العابرة للمنظورات الطائفية الضيقة التي بدأت تظهر بشراسة في فضاء انبعاث بنى وأيديولوجيات ما قبل الدولة.
كان حلم المدى في أذهانهم بسعة الطيف العراقي الملون بالأعراق والأديان والطوائف والانتماءات، وبانفتاح شعاع شمس التنوير والفكر التقدمي الذي يشكل حاضنة هذا الحلم، وقد رافق هذا الحلم حرص واضح على تجنب مزالق التعصب والمصالح الحزبية الضيقة التي بدأت تطل برأسها لدى البعض. 
استعيد في حنين جارف ذكرى هذه اللحظة ومناخ التضامن والمحبة والعمل المخلص والرفقة الطيبة التي ولد فيه مشروع "المدى" في بغداد، بدءا من النقاشات الحامية ومخططات ومقترحات انطلاق المشروع التي شهدتها جلسات عديدة في مقاه وفي منازل، قبل أن تجد المدى مكانا مؤقتا في شقة ارضية في شارع فلسطين قبيل انتقالها إلى موقعها الذي اصبح معلما ثقافيا واعلاميا ومكانا للقاء النخبة في شارع أبي نؤاس.
وكم حملت تلك الجلسات من احتدام جدل وتصادم رؤى أو حتى انحيازات ايديولوجية أو خيارات جمالية، بيد أنها تصب في فضاء محبة وتضامن وفسحة حلم وتأمل، عمادها إعلاء راية الجدل والنقد العقلاني المتحرر من الأوهام والاساطير والهادف إلى الوصول الى جهد تنويري حقيقي في الحياة العراقية. لقد خلق فضاء الجدل المتنور هذا روحا من التضامن ونكران الذات، تعزز مع بدء دورة العمل وفرز تخصصاته واثمر في تذليل أكبر العقبات والمصاعب التي تشهدها عادة بدايات انطلاق المشاريع الاعلامية.
كان فخري كريم ينثر فكرة جريئة متحدية، ويرد سهيل سامي نادر بحكمة معتقة وحذر متراكم، ويضفي زهير الجزائري عليها لمسة حلمية، تحرص الدكتورة سلوى زكو بحكمتها الراجحة على وضعها على محك الواقع، في وقت ينسج فيه عبد الزهرة زكي وقاسم محمد عباس والزملاء الأخرون بنول الحرص والخبرة الاحترافية العالية تفاصيل في نسيج الحلم التنويري، وتضفي غادة العاملي لمسات الجمال بتصميماتها على أفكارنا الحادة وأحلامنا التي لا تحد.
ولعل أجمل ما يميز هذه الجلسات ذاك النزوع الذي لا يحد نحو وعي التنوير وحلم بمستقبل مجتمع عراقي مدني متحرر من شوائب التعصب والطائفية قادر على ان يكون في روح العصر وعلى المساهمة الفاعلة فيه.
أقول للمدى وهي تحتفل في عيدها اليوم، إن هذا النزوع هو الروح الحي في مشروع المدى في تلك الأيام كمشروع عراقي وطني تنويري بامتياز، وإن الحفاظ عليه وتقديمه ضمن بنى مهنية احترافية عالية هو عماد استمرارها ونجاحها وثقة الناس فيها.
 
ثلاثة آلاف؟

 نزار عبد الستار

 
وااااو.. هذا الرقم له مهابة كبيرة في طبقات ذاكرتي الرسوبية، فالجريدة، وعلى مداها اليومي، عاشت هكذا احتفاءات عذبة في اعداد الفها الأول، وأيضا الثاني، والحقيقة اننا كنا نحتفل مع كل رقم جميل نصل إليه، ومع كل لمعة اعتداد بالنفس نفوز بها. كنا نحب مدياتنا ونتفنن باختراع البهجة. ثمة جنون فوق المتوقع تحت هذه القبعة الحمراء التي تسمى المدى. كنتُ أتخيلنا رأسا كبيرا موحد الخلايا والبصائر. حتى ميولنا الساخرة كانت متوافقة الدم، وكذلك اندفاعاتنا الجمالية، وكنا نصنع فرحنا بالمدى كما العشاق. نحتفل باللمسة البكر، والقبلة الاولى، وبالملحق الجديد، والعدد كذا ولا نفكر بالرقم الاخير. نعم.. هكذا كنا بالفعل. لا اعرف لماذا كنتُ اتعامل مع "جريدتي" المدى على انها انثى. ربما لأن فيها ربات الجمال، او ربما لأننا كنا نتحسس الحب بكاريزما التضحية، او لأن المدى هي الجمال الذي لا يتجعّد. ان تصل المدى إلى الألف الثالث هو أمر ينعش اوتار القلب بالفرح. كثيرون لم تكن لهم القدرة على معاينة هيبتها دون اطلاق الحسد، وكثيرون كانوا لا يملكون الشبع عند التعبير عن افتتانهم بها. أنا احد الذين إذا ما ذكرت المدى على سمعه وجلت روحه، وتكهرب وجده. انها كاملة المزايا مثل الرخام الروماني، وارجوانية اللون كأردية الأباطرة، وثرية الجمال مثل عشتار، وافروديت، وايزيس. انه الألف الثالث. هذا الرقم يليق بعراقتها وبتاريخها المبتكر، وهو رقم يتناسب مع رعشات الافتتان التي مرت على معابر ابداعها. هذا الرقم يساعد على تكوين النشوة بالتفوق، ويعطي الأمل بمواصلة الإغواء.
 
المدى ملاذنا المعرفي

 علاء المفرجي

عندما كنا نرنو إلى المدى أيام سُدّت منافذ الوطن أمام أحلامنا.. كانت (المدى) ملاذنا المعرفي، نتسقط أخبار نشاطاتها، ونتداول سرا مطبوعاتها.. ونستنسخ مجلتها التي كانت حدثا ثقافيا مهما أيام ذاك.
وعندما بزغت شمس الحرية على الوطن، كانت المدى أول العائدين تنهل من محبتنا، وننهل من خزين معارفها، مشروعا ثقافيا قدر له مع الأيام أن يكون منبرا للدفاع عن الحريات، وصوتا من اجل مدنية الدولة.
قبل ان يطلق عددها الاول كانت المدى تعني الصحبة الرائعة ، ان نجتمع للعمل مع احباء خبرنا نقاءهم، تعني ان يكون لك موقع قدم في هذا المنبر الذي سيكون ،بعد ثلاثة الاف عدد، صوت الوطن لا أكثر ولا أقل ..
ما بقي من العدد الاول حماس متقد، وولاء ليس له حدود للحقيقة ، وذكرى اساتذة وزملاء تعلمنا منهم قدسية الكلمة .
د. سلوى، سهيل، زهير ، عبدالزهرة، قاسم، حيدر، صفاء، غادة، واخرون اجتمعوا من اجل ان نطلق كلمتنا للمدى.
 
مدرسة للتعليم المهني

 سهيل سامي نادر

لعلي أفهم الأفق الذي فتحته المدى على نحو أفضل منه عندما عملت فيها عام 2003 . أقول هذا وفي ذهني تحضر كل إحباطات الوضع العراقي بعد الاحتلال مباشرة ، وكيف صارعنا نحن جماعة المدى من اجل أن تعمل البديهيات المرتبطة بالمهنة وتتسع وتشكل قاعدة ثقافية تتصف بالثبات والتنوع في جو فقير ومقلق مع نقص شديد في الكادر المدرب . 
الآن حسب متابعتي من بعيد أرى أن عملنا التأسيسي الاول نجح في جعل (المدى) صحيفة ناجحة بالمعايير المهنية ، وأكثر نجاحا في المعايير السياسية بعد ان التزمت خط الصراحة والوضوح الذي طالما كنت أحد المدافعين عنه . 
إن مؤسسة صحفية في الشروط العراقية البائسة ، حيث يسهم تعاضد المال السياسي بالأوهام والأساطير الطائفية التاريخية ، في تغطية الحقائق وتزييفها ،عليها أن تكون صحيفة مناضلة قادرة على كشف الحقيقة ، وأن تكون ساحة للقاء الاحرار والشرفاء ، ومدرسة للتعليم المهني . أرى أن المدى تمتلك القوى القادرة على تحقيق هذه المهمة بنجاح بفضل محرريها الشجعان الذي عرفتهم وخبرتهم . 
تحياتي للمدى متمنيا لها الازدهار
 
المدى البلاد

 د.حيـدر سعيـد

لم أكن أحسب أن خطواتي ستقودني إلى العمل في جريدة ومؤسسة (المدى)، مع أول تأسيسها في بغداد، في تموز 2003.
في التسعينيات، ولمثقف لم يغادر البلاد قبل 2003، كانت (المدى) رمزا كبيرا. كنتُ أحدَ الذين يتداولون كتبَها، ومجلتيها، (المدى) و(النهج)، وأخبارها، ولا سيما الأصداء الكبيرة التي تركتها أسابيعُ (المدى) الثقافية. لم يكن الأمرُ أمراً ثقافياً، أو معرفياً، بقدر ما كان يمسّ الهويةَ العراقية، المقموعة، والمحاربة، والمحاصَرَة. كانت (المدى) إمكانية عراقية، منارة إن شئت، في وقت كان الظلامُ يمسك روحَ البلاد، فها هي مؤسسة ثقافية عراقية، ليست فاعلة حسب، بل هي من أهم المؤسسات الثقافية العربية.
قادتني خطواتي إلى (المدى)، صحبةَ مجموعة من خيرة المثقفين والصحفيين العراقيين، ممن كانوا في داخل البلاد، لم يبرحوها في أشد أيامها حلكة، ومَمن كانوا خارجَها، ينتظرون شمسَها تشرق من جديد.
كانت (المدى)، بالنسبة لي، المكانَ المثالي للعمل في العراق، وقد تخلص من أقسى استبداد، لا لأنها مؤسسة معروفة عربياً، والعملُ فيها يوفر صلة حقيقية بالفضاء الثقافي العربي، ولا لأنها تضعك في موقع اليسار الطامح إلى تحديث نظرته للعالم، ولا لأنها تحمل معك همَّ تفكيك إرث الاستبداد المر، بل لأنها توافرت على مادة حلم بعراق حر، ديمقراطي، طامح إلى الحداثة، يحترم الاختلاف والتعايش.
في (المدى)، كتبتُ أولى حروفي نحوَ هذا الحلم. كان حلماً هستيرياً، لاعقلانياً إلى حد كبير، أكبر من ثقافتنا وسمائنا. كنتُ، كالمجنون، أرى حتى في ازدحام السيارات في بغداد عتبة نحوَ هذا الحلم.
وشيئاً فشيئاً، بدأ الحلمُ يذوي، وبدأنا نكتشف قصرَ سمائنا وضعفَ أيدينا، وصرنا أكثرَ واقعية، وتعلمنا ألّا نستسلم لمثال (متغطرس).
ومع ذلك، ظل هذا الحلمُ صيغة لبلاد، ربما كانته يوماً ما، وقد تكونه في يوم قادم، أو كانته في جزء صغير منها. وبالتأكيد، كانت (المدى) هي هذا الجزء من الحلم، هي هذه البلاد التي لم تكتمل.
تركتُ (المدى)، بعد أكثر من سنتين، وقد بدأت البلادُ تنزلق نحوَ الوحشية. تفرقت بنا السبل. سافرت، وعدت، وسافرت، وعدت، غير أنني لا أزال أحسب (المدى) بيتاً، قد أضع رأسي فيه في أية لحظة.
وحين أقرأ ما يُكتَب عن (المدى) من عداء، وقد استسلمت البلادُ لثقافة الصوت الواحد، أدرك لمَ ظلت البلادُ مرتبكة، متعثرة، وفينا مَن يستكثر على العراق مؤسسة ثقافية مرموقة، عارضت الاستبدادَ حيث كان، وحيث يمكن أن يكون.
ظلت البلادُ ناقصة، و(المدى) هي حلم البلاد الأخرى، الذي يقتله الجميع الآن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. طارق عبد الواحد

    لا شك أن المدى صحيفة جادة ورصينة ، ولكن من اعجب الأمور فيها ، هي خلو أعمدتها من أسم أي كاتب كردي يكتب بالعربية ، تصفحوا أعداد الصحيفة منذ اعادة أصدارها في بغداد بعد ( التغيير )، وأذا أكتشفتم فيها مقالا لكاتب كردي ، فأنني على أستعداد لقطع ذراعي كم

  2. كاظم الجماسي

    في اللحظة التي سقط القمقم عن سجن المارد- العراق، وبسبب طول زمن التلجيم والتكميم، راحت حناجر العراقييين تصرخ بأشد ماأستطاعت أوتارها، حتى بلغت، وفي وقت قصير، منابرها الأعلامية حجما من التضخم والتعدد مالاسابقة له على مر تأريخ العراق او المنطقة، الأمر الذي أ

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram