اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > طائر إسماعيل الخياط..اتساع المعنى وتعدّد الدلالة

طائر إسماعيل الخياط..اتساع المعنى وتعدّد الدلالة

نشر في: 7 فبراير, 2014: 09:01 م

تثير تجربة الفنان إسماعيل الخياط منذ بداياتها التخطيطية في السبعينات تأملاً ومراقبة ، لأنها ليست ثابتة أو ساكنة ، بل هي خاضعة لسيرورة فنية وفكرية ، مثل التجارب الإبداعية الحية. وأكثر ما أثار لديّ تأمل تجربته هو معرضه الخاص بالطائر الذي تابعت تقريراً

تثير تجربة الفنان إسماعيل الخياط منذ بداياتها التخطيطية في السبعينات تأملاً ومراقبة ، لأنها ليست ثابتة أو ساكنة ، بل هي خاضعة لسيرورة فنية وفكرية ، مثل التجارب الإبداعية الحية.
وأكثر ما أثار لديّ تأمل تجربته هو معرضه الخاص بالطائر الذي تابعت تقريراً مصوراً عنه عندما عرضه في لندن ، وسجلت ملاحظاتي عنه المستيقظة الآن . ووجدت أن الخياط يزاول إيقاظ السابت بذاكرته منذ عشرات السنين ، وأخضعه لتاريخ معاصر ، دموي ، وهو كارثة حلبجة والأنفال . إن استعادة إسماعيل الخياط للمدفون في ذاكرته الطفولية ، يعني استعادة لحظة شعرية معطلة . قال الفنان إسماعيل الخياط [ في طفولتي حصلنا أنا وأمي على طير لهدية وبدأنا نهتم به ، لكنه مات ذات يوم ودفناه ، حزن هذا الطير بقي عالقاً في ذاكرتي البصرية ، كنت أتمنى ألا يموت ، أن يبقى معي دائماً ـ لهذا امنحه في أعمالي هذا الوجود المفترض / على النجار / طائر إسماعيل الخياط المفقود / الصباح يوم 31/12/2010 ] هذا كلام بسيط للغاية ، عرفناه وعشنا تفاصيله زمن طفولتنا . وتكاد المشاعر ان تتشابه بسبب العلاقة الشعرية الواضحة بين الطفولة والطائر، واتساع كل منهما على التأويل وتعدد الدلالات . اعتراف الخياط بالطائر الذي مات ، يفضي نحو فضاء آخر له ارتباط وثيق بسرديات تاريخية عن الموت والدمار . فالطائر كائن حي ، موته نفي لكينونته وتعطل لدوره الحياتي ، وشطب على كل تفاصيله الجمالية ، مثلما يعني انطفاء ثنائية الطفل / الطائر وما يفضي إليه كل منهما من تصورات عن الحلم الفردي والجمعي ، مع احتمالات تعدد التأويل ، والشفافية الطافية فيهما . وطائر إسماعيل الخياط هو الحلم الأول الذي أراد له أن يبقى ويتشارك الاثنان معاً بكل ما تمنحه الحياة لهما .
بما كان موت الطائر هو لحظة أولى في حياة الخياط ، تكومت عليها لحظات كثيرة جداً من المآسي والموت ، لكن أكثرها قسوة هي تراجيديا حلبجة والأنفال ، وهذه السردية الكبرى هي التي أزاحت السكون من طائره الأول الذي هزه بعنف عندما مات حيث يتبدّى الطفل مفجوعاً وعرف الحزن مبكراً ، بسبب غياب كائنه الطيري .
قراءة تجربة فنية ، محفزة للتأمل لا تعطل موجهات ممكنة لتعميق القراءة وتنشيط التلقي ، من هنا أضفت التراجيديات الكردية جواً فجائعياً جديداً ، فرض كثيراً من تفاصيل لم تكن حاضرة في ذهن الطفل آنذاك وهي التي اتسعت مخيلته الفنية لإيجاد مشترك بين الموت الأول وفجائعيات جمعية ، من هذا المشترك ، تعمق الطائر رمزياً ، وتنوعت المعاني الراشح عنه ، بحيث صار طائر الطفولة رمزاً إنسانيا كونياً ، شاملاً ، فيه اتضاح لكل الكوارث البشرية ، لان الطائر معبر عن التسامي والارتفاع نحو الحرية . وهو نوري كما قلت .
حركة الطائر أفقية ، تعني اتساع المساحة / الفضاء ودائماً ما يكون الطيران الأفقي هروباً نحو المجهول . إنه استعادة لمفقود فردي / جمعي مرئي أو غير مشاهد ، حركته رمزية وموضوعية نحو عالم ، عوالم حقيقية وأسطورية غفيرة جداً ، ويتم فيها التعالي على المكان ويجري فيها إلغاء الجاذبية / ميرسيا الياد / الأساطير والأحلام والاسرار / ت : حسيب كاسوهة / وزارة الثقافة السورية / دمشق / 2004/ ص168//
العلاقة بين فجيعة إسماعيل الأول والمأساة القومية المتكررة اكتشفها الفنان والناقد علي النجار عندما سأل عن مكمن السر في ملازمة [ الطائر لظل الفنان أينما حط رسماً وأنشأ مجسما وهل تعدى الظل من منطقة استحواذه المعهودة تميمة ترافقه على امتداد مساحة منجزه ؟ هل لا يزال الطفل الذي كأنه يتحسس راحة يده التي استقر الطير عليها قبل رحيله ، وهل بقيت مساحات هذه التواريخ المتقلبة تواريخ التصالح ومحيط بيئته وتواريخ المأساة ومعايشتها لحد ملامسة حدود تخومها القصوى . يبدو الأمر كذلك لهذا الفنان الشمالي الذي بقدر ما أصابته نكبات أناسه لا يزال يحتفظ برقة من أنسام رفيف هذا الطائر الأسطوري الذي ناجاه في سنوات نشأته الأولى ولا يزال يستمد منه الأمل بمواصلة مشواره الفني غير بعيد عن منطقة أحلامه البيئية التي هي جزء من البيئة العالمية الأوسع / علي النجار / الصباح / سبق ذكره //
للطائر حضور متميز في الميثولوجيا الدينية ، وأكثر حضوراته هيمنة ما له علاقة مباشرة بالطفولة المنتظرة طويلاً بوصفها حلم الإنسان رجلاً أو امرأة . وغياب المتحقق الحلمي / المولود بسبب الموت ، يمثل فجيعة صادقة ، لا يقوى الإنسان على التوازن أمامها . لكن الجماعات المتخيلة أنتجت أسطورتها الخاصة المقاومة لموت الطفولة ، ومن خلال منحها حضوراً ليس في الحياة وإنما في الجنة ، وأسطرة حضوره بوصفه طائراً من طيور الجنة وحاز خلوداً أبدياً ،وأعتقد أن هذه الأسطورة من نتاج التخيل المسيحي ، وما يؤكد على ذلك الكثير من الأعمال التشكيلية التي أظهرت الأطفال كالملائكة محلقة بجناحين في فضاء اللوحات الفنية . وانتقلت من محيطها اليسوعي إلى المرويات الإسلامية ، وأشار عالم الميثولوجيا المعروف مارسيا الياد إلى أن التصورات الأسطورية التي تتناول الروح ـ الطائي . والطائر الذي يقود أرواح الموتى إلى العالم الآخر ، فقد جرت دراستها بكفاية ، حتى أننا لنقتصر على التلميح البسيط إليها . هنالك مجموعة من الرموز والدلالات المرتبطة بالحياة الروحية وبقدرات الذكاء بشكل خاص تتكامل مع الصور الدالة على " الطيران " وعلى " الأجنحة " وتجدر الإشارة إلى أن الطيران برأي الأقدمين ، يدل على درجة عالية من الذكاء ، وعلى مقدرة في فهم الأمور الباطنية أو الحقائق الميتافيرقية . تقول الريج فيدا [ الفصل السادس 5 ـ 9 ] وعندما يعمل الذكاء يكون أسرع من الطيور في طيرانها وورد في كتاب بانكاير همانا [ الفصل السابع 1 ـ 12 ] ان من يفهم يمتلك أجنحة . هكذا نرى كيف يتم اكتشاف الدلالات الجديدة التي تحملها الصورة القديمة لـ " الطيران " عقب تعرفنا على مضامين التحليق والانتقال في الأجواء / مارسيا الياد / سبق ذكره ص 168//

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram