ترجمة: عادل العاملإذا ما تساءلتَ أبداً عما يكون هناك داخل دفاتر الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دا فنشي، فإن أمامك ست سنوات لتلقي نظرة عليها، كما تقول نيكول مارتنيلي في مقالها هذا. لقد أحضرت مدينة ميلان الإيطالية، حيث عمل رجل النهضة الأصيل لسنوات عدة،
 أكبر مجموعة من رسومه و كتاباته، (مخطوطة أتلانتوس) ذات الـ 1000 صفحة إضافية، ووضعتها أمام الجمهور. و توجد (المخطوطة) اعتيادياً في بيبلوتيكا أمبروسيانا المدينة، حيث لا تتيسر حتى لمعظم الدارسين. لكن حتى عام 2015، يستطيع الزوّار أن يشهدوا معرضاً متعاقباً للصفحات المختارة من شفرة دا فنشي الحقيقية، مجمَّعة في موضوعات تتضمن أموراً مثل التحليق الميكانيكي، وعلم التشريح، والآلات الحربية. وبين الصفحات، المؤرخة من عام 1478 إلى 1519، سيجد الزوّار تصميمات هندسية، و وصفات، و خربشات من مساعدين له و صبيان مهنة، إضافةً إلى تخطيطاتٍ لآلات كثيرة متقدمة على زمن دا فنشي بكثير. ولقد خلَّف دا فنشي، الذي رسم تخطيطاتٍ لملاحظاته على صفحات طليقة أو إضمامات ورق صغيرة يحتفظ بها في حزامه، أكبر تراث أدبي لأي رسام. و تحدث الخبير في أمور دا فنشي، أمين معرض الثلاثة أشهر الأولى، عن طبيعة موجودات المعرض قائلاً "إن الأمر يمكن أن يكون مربكاً قليلاً، حين يتوقع الناس رؤية رسوم مكمَلة أو تخطيطات مفصلة بشكلٍ مذهل. حصون، صروح، مدافع". و أضاف "إن ما تنظر إليه حقاً هو قطّاع لفئات مختلفةcross-section من الإبداع، فن، علوم، تكنولوجيا، دراسات ميكانيكية ــ جميعها منسوجة داخل الحياة اليومية لشخصٍ مذهل، لكن ذلك ليس على الدوام ما يمكن أن تتوقعه". إن كل معرض سيتم تقسيمه بين موقعين. ففي مسعىً لجلب سيّاح أكثر إلى البيبليوتيكا أمبروسيانا، سيكون نصف الصفحات في العرض هناك، بينما سيُعرض النصف الآخر في غرفة المقدسات بسانتا ماريا ديل غرازي، التي تؤوي حجرة الطعام فيها لوحة دا فنشي "العشاء الأخير". أما بالنسبة إلى قسم "حصون، وصروح، ومدافع"، فإنه يُقام حتى كانون الأول. و يوفر المعرض لقطة مقربة للكيفية التي كان يعمل بها دا فنشي ــ من ملاحظات مكتوبة في نصّه المرآتي المميز المكتوب من اليمين إلى اليسار إلى نوع من خلاصات القرن الخامس عشر المصممة لنيل عمولات أو تفويضات من دوق ميلان. وفي الوقت الذي يمكن فيه لموضوع هذا المعرض أن يبعث على الاهتمام اللطيف أكثر مما على الرهبة، فإن حداثة أفكاره قبل 500 عام لأمرٌ مدهش حقاً مع هذا. فهناك جهاز معقد طويل يرفع الأثقال لن يتعدى أن يكون آلة مقاومة في قاعة جمنازيو. وبعده تأتي " المكتبة، عصره وأصدقاء ليوناردو "، التي توفر نوعاً مختلفاً من الاطلاع على عالم الرسام. فقد كان دا فنشي يدعو نفسه بما معناه (رجل من دون تعليم رسمي)، وهو يمارس إنشاء المفردات اللغوية في دفاتره و يحتفظ بقائمة من الكتب ليقرأها لغرض التحسّن الذاتي. و غالباً ما كان صبيُّه و مساعدوه الكتّاب يستعملون صفحات من دفاتره لخربشة رسومٍ ــ بعضها داعر أو خليع على ما هو مشهور. ولقد قام النحات بومبيو ليوني قبل 400 عام بجمع إلهامات دا فنشي هذه. و كانت محزومة في ما أصبح يُعرف أخيراً بـ "مخطوطة أتلانتيكوس"، أو مخطوطة أطلس، لأن ورقها الكبير القياس، 65 سم في 44 سم، يستخدمه أيضاً رسامو الخرائط للأطالس أو المصورات الجغرافية. وقد جرى تقسيم المخطوطة، الممنوحة لبيبليوتيكا أمبروسيانا في عام 1637، إلى مجموعة من 12 مجلداً في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي. و كانت حالة الصفحات هشة تتطلب أن لا يتفحصها إلا دارسون مختارون و صفحةً واحدة في كل مرة. وقد أصبح المعرض الأوسع للمخطوطة ممكناً بعد فك الصفحات حيث يمكن المحافظة عليها بشكل أفضل. إذ قامت مجموعة من الراهبات و لعدة أشهرٍ في الربيع و الصيف الماضيين و على نحوٍ شاق و دقيق بإذابة الشمع الذي يربط الصفحات. و تُحرس الصفحات النفيسة الآن في صناديق من تصميم المهندس المعماري ألبرتو سيمبي لمراقبة الحرارة و الرطوبة. و كل صفحة مغلَّفة بطبقتين من دهان الأكريليك متصل بقاعدة معدنية، و مغلق عليها في صندوق زجاجي وهاج الضوء، حيث تنير الصفحات، التي تتأذى بأشعة الشمس، أضوية باردة تميل إلى اللون الأزرق. وبالنسبة للزوار، فإن تقييدات الحماية هذه لها تأثير النبش بحثاً عن كنز سري. و يمكن القول إن المعجبين برواية دان براون عام 2003 " شفرة دا فنشي " سيثمّنون هذا الجو، سواء كانوا ينظرون إلى الصفحات في غرفة مقدسات معتَّمة و مزينة باللوحات أم في مكتبة خشبية الألواح، مع جوٍ تعززه أيضاً الموسيقى الكلاسيكية التي تُعزف فيه. عن The Wall Street Journal