سعد أحمد
منذ انتفاضة مصر ضد حكم الاخوان، وازاحة محمد مرسي العَيّاط عن الرئاسة، اقدمت بلدان خليجية وفي صدارتها المملكة العربية السعودية، على انتهاج سياسة، واتخاذ قرارات بعيدة المدى، تنطوي على قراءة دقيقة للظروف والعوامل المحيطة بالعالمين العربي والاسلامي، والمخاطر التي قد تواجههما، نتيجة تسلل الاخوان المسلمين الى حكم مصر، والرعاية الملفتة التي أبدتها الولايات المتحدة الاميركية ودولٍ اوربية، بالاضافة الى كلٍ من قطر وتركيا، لمخطط التنظيم الدولي للاخوان.
وقد عكس النهج المباشر للمملكة العربية السعودية، مع التطورات التي شهدتها مصر، نزوعاً خارج المألوف، تمثّل في تقديم دعم مالي سخي عاجل لحكومتها، وتحرك سياسي عربي ودولي للجم ما كان يجري في أروقة الأمم المتحدة ومحافل دولية نشيطة لعزل مصر وادانتها، لصالح تزكية المواجهة بوسائل العنف التي اعتمدتها ولا تزال جماعة الاخوان المسلمين وامتداداتها الارهابية التكفيرية. واقترن بتلك الخطوة، بيان تنديدي بتسييس الدين، واستخدام المؤسسات الدينية في الصراع السياسي، وكان هذا بحد ذاته تقدماً لم تكن له سابقة في سياسة المملكة التي ما تزال تتحرك، كنظام على أسس الشريعة الاسلامية، وتعتمد احكامها وحدودها في ادارة الدولة ومؤسساتها، والحكم في قضايا الناس ومعاملاتهم.
وقبل أيام أصدر الملك السعودي قرارات، يمكن اعتبارها استكمالاً وتكريساً للنهج السياسي الذي بدأته في الموقف من تطور الاوضاع المصرية والمخطط الاخواني الدولي. ان القرارات الجديدة تشكل منعطفاً سياسياً "وفكرياً" للقيادة السعودية، تعكس حراكاً داخلياً غير منظورٍ في مختلف جوانبه، يدين بلغة القانون وأحكامه القطعية، الارهاب "الديني" والتحريض عليه، وتجريم من يقوم بالفعل الارهابي بشتى وسائله، او ينظّر له، او يسهل القيام به، داخل المملكة او خارجها. واهمية هذه القرارات وفعاليتها وعواقبها، تنطلق من كونها تصدر عن الدولة الاسلامية، التي تحتضن قبلة المسلمين، وطالما توجه اليها الاتهامات، بأنها ترعى وتدعم التطرف الاسلامي، وتمول العمليات والنشاطات التكفيرية. وتعزى هذه الاتهامات التي تطول المملكة، لاعتناقها المذهب الوهابي، وما تراه فرق اسلامية واجتهادات عقائدية، من ان في الوهابية مساحة للإفتاء تشجع على التكفير والأخذ بأقصى حدود التشدد إزاء المذاهب والمعتقدات الاسلامية الاخرى والتعامل مع الاختلاف بحد السيف، وليس بالجدل وتبادل الرأي.
ومثل هذا المنعطف الذي يشكله النهج الجديد للمملكة، بغض النظر عن هواجس البعض او شكوكهم من جدية تطبيق القرارات المتخذة، كان من الحكمة والمصلحة السياسية والدينية، ان تُبنى مواقف تعكس نزوعاً مسؤولاً لدعم القرارات وابداء التعاطف معها، والانطلاق منها لاطلاق مبادرة تفاعل عملي معها، والتحرك نحو فتح باب الحوار السياسي، للتنفيس عن التوتر في العلاقات المتبادلة، وصياغة سياقاتٍ ايجابية جديدة، قد تشكل عاملاً من عوامل محاصرة القاعدة وتنظيماتها الاجرامية، وتجفيف مصادر تمويلها ومدها بالحيوانات البشرية المستعدة للانتحار والقتل بلا ادنى مسوغ ديني، سوى الغباوة وغسيل الدماغ.
كعادته خرج رئيس مجلس الوزراء، ليمارس هوايته الاسبوعية من شاشة العراقية، في الفذلكة الكلامية ويطلق الكلام على عواهنه، دون تفكير معمق مسبق جدير بمسؤول، يدفع البلاد والعباد الى التهلكة، مأسوراً بفصاحة في غير مكانها. ويتعثر بفرصة نادرة تسمح للعراق بفتح صفحة جديدة على المملكة والعالم العربي المتشكك بكل ما يجري تحت ولايته المنتهية صلاحيتها بحكم خرقه المتواصل للدستور على كل الصعد، وانفراده باستباحة البلاد، والمغامرات الطائشة التي تهدد بتفكيكه، وجره الى مواجهات دامية ووضعه على شفا حرب اهلية.
كان يكفي ان يقول، ان تلك قرارات حكيمة ندعمها ونقيّم جرأة الملك على اتخاذها.. لا ان يتنطع ، فيقول "رغم انها جاءت متأخرة"!
ألسنا بأمسِّ الحاجة ولو الى قرار حكيم واحد منك، يجنب البلاد ما تتسببه سياسات حمقاء تنفلت كل يوم من اعلى سلطة في البلاد، دون أي مسوغ دستوري..!؟