TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم جورنيكا والتوظيف الثر للوحة التشكيلية فـي السينما

فيلم جورنيكا والتوظيف الثر للوحة التشكيلية فـي السينما

نشر في: 9 مارس, 2011: 06:23 م

نجاح الجبيلييصنف فيلم جورنيكا- 1950 للمخرج الفرنسي آلان رينيه (1922-...) وروبرت هسان ضمن أفلام الفن وهي الأفلام التي تستمد موضوعها من اللوحة الزيتية أو الرسم أو النحت. وسبق لألان رينيه أن صنع أفلاماً أخرى ضمن هذا الصنف عن "فان كوخ" و"غوغان" والنحت الأفريقي في بواكير صنعته السينمائية التي بدأها بصنع أفلام وثائقية قصيرة مثل "ليل وضباب" عن معسكرات الاعتقال النازية و "التماثيل تموت أيضاً"
 عن تدمير الاستعمار الفرنسي للفن الأفريقي و فيلم "كل ذاكرة العالم" عن المكتبة الوطنية في باريس، قبل أن يتحول إلى الأفلام الروائية الطويلة مثل "هيروشيما حبيبتي" الذي كتبت السيناريو له الروائية الفرنسية "مارغريت ديراس" و فيلم "العام الأخير في مارينباد" الذي كتب السيناريو له الروائي آلان روب غرييه. يعتمد فيلم "جورنيكا" على لوحة بيكاسو المعروفة التي رسمها في أعقاب قصف مدينة "جورنيكا" في إقليم الباسك بإسبانيا من قبل الطائرات النازية عام 1937 إضافة إلى لوحات ورسومات وخربشات جدارية ونحوت أخرى لبيكاسو وظفت بطريقة ما كي تخدم غرض رينيه في إدانة الحرب والفاشية والوقوف بصف الناس الأبرياء والمضطهدين.يصنف الناقد السينمائي بول وارن أفلام الفن والمعالجة السينمائية للفنون التشكيلية إلى ثلاثة أنواع:1. توثيق مرحلة تاريخية بمساعدة التصوير الزيتي والرسم. ومثال ذلك فيلم "غويا" للوتشيانو إيمر لاذي يصف الحياة في القرن     الثامن عشر في إسبانيا كما ترد في لوحات غويا.2. يقوم أصحاب هذا النوع من أفلام الفن في إطلاق العنان لنزعاتهم في الخلق فيشرحون العمل الفني إلى أجزاء صغيرة مع إعطاء اعتبار قليل لبنائه الخاص مثل فيلم "روبنز" لستروك هيزرت.3. وفي هذا النوع تصل أفلام الفن إلى قمتها إذ لا ترتبط بخالقها بأي غرض خارجي سوى أن يبني من عناصر العمل الفني عالماً مستقلاً بذاته يصل تأثيره الفني إلى مستوى تأثير الأصل. وهذا النوع الأخير من الأفلام لا يستخدم اللغة السينمائية لنقل العمل التشكيلي من عالم الفنون الجميلة إلى عالم السينما ولكن من أجل تحويله إلى عمل مستقل بذاته على الشاشة يزعم لنفسه من جديد صفة الفن.وضمن هذا الإطار لأفلام الفن الذي يحدده بول وارن يمكن أن نصنف فيلم "جورنيكا"، إذ أن رينيه جرّد لوحات بيكاسو من صفاتها الذاتية وفرض عليها أنساقاً من التعبير عن فكرة معينة هي إدانة الحرب وهي فكرة اللوحة الأصلية نفسها وكأن رينيه صنع بفيلمه هذا لوحة جورنيكا خاصة به.  إن الأنواع التي استخدمها رينيه في الفيلم لكي يجسّد بها محنة جورنيكا هي الصور المرسومة بالزيت والرسومات بأنواعها والرسوم الحائطية والنحوت التي صنعها بيكاسو من عام 1906 إلى عام 1937 وهو العام الذي رسم فيه اللوحة حتى أنه استخدم في الفيلم صورتين شخصيتين له (بورتريت) تتعرضان لوابل من الرصاص وكأن بيكاسو هو أحد أبناء مدينة جورنيكا الذين قضوا في الحرب.في استخدامه اللوحات التكعيبية التي هي مزيج من الرسم وقصاصات الصحف في الفيلم يقدم لنا رينيه مثالاً على التوظيف الثري لإمكانات الحركة السينمائية المتنوعة إذ استخدم فيها أنواعاً مختلفة منها المزج بين اللقطات وحركة الزوم الحادة للأمام أو للخلف أو الانتقال بالقطع من لقطة إلى أخرى أو حركة الكاميرا الرأسية من أعلى إلى أسفل أو بالعكس أو الحركة الجانبية. كما استخدم الانتقالات بين الرسومات الجدارية وصفحات الجرائد عن طريق تقنية القطع المتبادل كما أنه وظف بشكل تعبيري الحركة داخل اللقطات الخاصة بالرسوم الجدارية، إذ تظهر هذه الأخيرة كأرضية تظهر عليها بالتدريج صور بعض الشخصيات، وما أن يتم ظهورها حتى تخترقها طلقات الرصاص فتعود فتختفي من جديد تاركة وراءها آثار الطلقات على الجدران المرسومة وتتكرر هذه التقنية حسب اللوح الجداري وصور الأشخاص.  وثمة حركة داخل اللقطة تتمثل في حركة انقضاض حادة بعدسة الزوم في كل مرة على كلمة أو مجموعة مهمة من الكلمات في صفحات الجرائد مثل "النصر" و"الفاشية" و"جورنيكا" أو عنوان الصحف مثل "الحرية" وأحياناً تنعكس الحركة إلى تراجع حاد.  كذلك هناك حركة التناوب بين الضوء والظلام حين تستعرض الكاميرا أربع شخصيات تفصل بينها بقع ظلام وهذه لها قيمة تعبيرية، وهناك استعمال نبضات الظلام الكامل كوسيلة للانتقال من لقطة إلى أخرى وتبدأ هذه الحيلة الحركية حين يظهر المصباح الكهربائي في لوحة الجورنيكا والعلاقة واضحة بين النور والظلام، وهذا الجزء من اللوحة إذ يتكرر ظهوره في أماكن أخرى وهذه النبضات الإيقاعية المظلمة تعمل على مضاعفة الإحساس بالذعر كما أن هناك تكراراً على نفس اللوحة أكثر من مرة بإيقاع معين مما يدفعنا إلى الربط بين هذه النبضات المتتالية بسرعة للنور والظلام وما يحدث في الانفجارات المتتالية للغارات.كذلك هناك تقنية المسح على هيئة انفجار إذ يبدأ بنقطة معينة تنفجر بشكل مفاجئ حتى تملأ الشاشة وتكمن قيمتها هنا في أنها تؤكد معنى الذعر المتولد.  أما في المشهد الأخير وهو منحوتة الرجل الذي يحمل حيواناً فإن الكاميرا تتحرك من أسفل إلى أعلى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram