قيس حسنفي حوار بثته على الهواء قناة "الحياة" المصرية قبل أيام مع محمود صبرة، وهو صحفي شغل مدة 18 عاماً منصب مدير عام المعلومات في مكتب الرئيس المصري السابق حسني مبارك، تختص دائرته بتقديم تقارير صحفية للرئيس، وبوجبتين، صباحية ومسائية، لا تتعدى الوجبة الواحدة الأربع صفحات،
لان الرئيس ببساطة يكره القراءة، تحدث صبرة بألم وأحيانا بسخرية عما كان يجري في مكتب الرئيس، فما يدخل إليه من الصحافة حسب أوامر المقربين منه لا يتعدى مقالات المديح والإطراء لسياسات الحكومة أو ما يتعلق بالأحداث العالمية الكبيرة: زلازل، كوارث طبيعية، حروب... الخ، أما المصريون وطابور "عيشهم" الطويل فممنوع عليه، انه يتعامى عن كارثة بلده بالانشغال بكوارث البلدان الأخرى، ولا يعبأ بما يقال عنه من نقد اوتنبيه، انه "فرعون"، مشغول بخلوده، وأهراماته، وزيوت تحنيطه.إن الذي يجري اليوم مع القادة العرب، وخاصة اولئك الذين وصلوا للسلطة عبر الثورة او الانقلاب، هو أنهم تحولوا من ثوريين إلى سلاطين بعد أن وضعوا ليس فقط ثقتهم بثلاث أو أربع شخصيات، يشكلون الدائرة الاقرب له، بل مصيرهم بايدي هؤلاء المقربين أيضاً. حمل الروائي البيروفي الحاصل على جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا في مقالته "العرب والحرية"، المقربين من الحكام العرب جزءا من المسؤولية قائلا: "والدول حيث يجري هذا الحدث تعاني من الدكتاتوريين عبر مئات السنين، الفاسدين حتى النخاع، ولهم في الحكومات، أقارب ومقرّبون وزبائن من القلة قد كدّست ثروات هائلة، مؤمناً عليها في بنوك في الخارج، في حين أن الفقر والبطالة ونقص التعليم والصحة، تشير إلى أن النسبة الأعلى من السكان تعيش في مستوى الكفاف، وأحيانا المجاعة"، رغم ان يوسا ليس عربيا، وربما لم يزر من البلدان العربية سوى بلد او بلدين، إلا أن ذلك لم يمنع حسه الإنساني من تشخيص الخلل، فالمقربون من الحكام كانوا شركاء في الجريمة وشركاء في المصير أيضاً. ان الدرس العربي اليوم لا يشمل الحكام بل يشمل المقربين، مكدسي الأموال، أيضا، فهم الذين يشكلون تصورات الحاكم، ويؤثرون في قراره وفكره، بل وربما في آدميته أيضا، وعلى أيديهم يمكن أن تغدو اللغة بين الحاكم والمحكوم غير مفهومة ومن دون قواعد أو لغة "طبيعية" واضحة وبسيطة. إن سياسة البطانة هي إبعاد الحكام عن الناس، وكلما بعدت المسافة بين الحاكم وشعبه كلما سهل صيده. اما سياسة المستشارين فهي من المفترض أن تكون عكس ذلك تماما فهي تقربه من الناس ليصعب صيده. ان "كيك" ماري انطوانيت و"بعران" مبارك، و"جرذان" القذافي، كانت من صنع المساعدين الاقرب للحكام. لكن هل يعني هذا براءة الحكام؟ هل هم ضحايا ام مذنبون؟ ببساطة أقول إن اختيار الحاكم لمساعديه يعكس ثقافته ومستوى فكره مثلما يعبر عن ثقته بنفسه وطريقة ادارته للدولة. فالمساعد والمستشار هو صورة للحاكم. وهما في النهاية مسؤولان عن النهايات التي تؤول اليها الامور. فالقادة الذين يثقون بانفسهم وبقدراتهم لا يطلبون "بطانة" تتقوى بالتزلف والتملق والفساد، بل يبحثون عن مستشارين يضعون امامهم الحقوق والقوانين ومستقبل البلد، المستشارون يبنون دولا اما البطانة فتهد دولا، فما الذي يدخل على حكامنا من تقارير؟ ما هي مجساتهم لمعرفة حقيقة ما يريده الشارع؟ من هم الدائرة الاقرب اليهم؟ هل اوصلتهم مؤهلاتهم وقدراتهم الفكرية التي الى الدائرة الاقرب ام هي الحزبية والمحسوبية؟ هل هم بطانة ام مستشارون؟ إن معرفة كل ذلك يمكن لها أن تفسر النهاية، هل هي نهاية بطانة ام نهاية مستشارين؟
مسـتشـارون ام بطانــة؟
نشر في: 16 مارس, 2011: 08:59 م