TOP

جريدة المدى > الصفحة الأولى > الافتتاحية: مفهوم القضاء بين عهدين:الاستقلالية المفترضة، وأدوات انتهاكها

الافتتاحية: مفهوم القضاء بين عهدين:الاستقلالية المفترضة، وأدوات انتهاكها

نشر في: 16 مارس, 2011: 10:30 م

بقلم / فخري كريملا تكتمل شروط بناء الدولة المدنية الديمقراطية، من دون ضمان استقلالية السلطة القضائية، إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتأكيد حرية الصحافة والإعلام وتأمين تدفق المعلومات إليها دون رقابة أو عراقيل إدارية أو أمنية.
والسلطة القضائية لا تكتسب استقلاليتها بفعل منظومة القوانين التي تشكل قاعدتها، دون الأخذ بالاعتبار مستوى التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يشكل البيئة الحاضنة لها، والمناخ الذي تمارس نشاطها ودورها ونفوذها في إطاره.وهي لا تستقيم أيضا، دون أن تكتمل بنية الدولة نفسها على أساس المؤسسات الديمقراطية، الضامنة لها ولجوهرها، المتشبعة بمبادئ دستور ديمقراطي وتقاليده. إن تشكل الدولة الديمقراطية تاريخياً، لم يكتمل بتشريع دستورها وقوانينها وأنظمتها وأدواتها، وإنما في مجرى سيرورة، تكرست خلالها الثقافة الديمقراطية التي تحولت بفعل الممارسة إلى تقاليد تشبع بقيمها المجتمع، وأصبح هو ضمانة صيانتها وتكريسها كواقع معاش يخضع لرقابته، ويستمد منه شرعيته، وتتطور وفقاً لنمو حاجاته وتقدمه والتغيرات التي تفرض قيما جديدة تستلزم مواقف تتناسب معها وتستجيب لمتطلباتها.وخلافاً لذلك تتشكل الأنظمة والدول المستبدة، وتخضع فيها كل أوجه الحياة ومجالاتها ومرافقها للسلطة الاستبدادية ، ويتشيّأ البشر في ظلها وتضيع ملامحه الإنسانية ليصبح مجرد أدوات تحت تصرف المستبد وسلطته، حيث لا يمكن الخلاص من سلطة الاستبداد بمجرد إسقاطه والتحول إلى نقيضه، وإنما ذلك أكثر صعوبة، وأشد مقاومة، إذا اعتمد التحول على أدوات وآليات النظام القديم، وعلى تراثه وتقاليد العمل والإدارة فيه. لقد ورث 'العراق الجديد' ذلك كله، من نظام البعث وسلطة صدام حسين وحافظ على الكثير من الأنظمة والقوانين وتقاليد العمل الإداري المعمول بها، ولم تشهد السلطة القضائية في العهد الجديد، سوى تغييرات طفيفة لم تتناول ما هو جوهري في بنية القضاء وثقافته وأسلوب تعامله، ولم تتخل السلطة القضائية معها، من حيث المبدأ، عن رؤيتها وتعاطيها مع المواطن.إن طبيعة النظام السياسي الراهن المبني على ما سمّي "بالديمقراطية التوافقية" القائمة على قاعدة المحاصصة الطائفية، وتقاسم السلطة، تُخلُّ بأي إمكانية واقعية لاستقلالية القضاء، مثلما تجعل من غير الممكن تحقيق استقلالية السلطات الثلاث، بعضها عن البعض الآخر والقيام بدورها بمعزل عن التداخل والتأثير، بحكم المرجعية السياسية المقررة والنفوذ المباشر للكتل التي تتشارك وتتقاسم السلطة، وفقاً لوزنها 'الانتخابي' وانعكاس ذلك في احتلالها للمواقع القيادية في هرم السلطات الثلاث. ومما يعزز هذا النزوع السلبي ويعيد إنتاج تقييد السلطات بعضها ببعض ويحد من حريتها إن لم يجرده منها فعلياً، تكريس كل الصلاحيات بالسلطة التنفيذية، المقررة لوجهة البلاد واستراتيجياتها وسياساتها، بل وفي مصائرها، متمثلة بشخص رئيس الوزراء مباشرة. إن القاعدة الدستورية التي كرست هذه السلطة المطلقة، على أساس طائفي، لم تأخذ بنظر الاعتبار مخاطر هذا المبدأ، في واقع غياب مؤسسات الدولة الديمقراطية، وتكامل بنيتها القانونية وتقاليدها الضامنة في المجتمع. بل سها المشرعون، المنطلقون في فرض تصوراتهم وصياغاتهم للدستور، حتى عن التباينات والمطامح والنهج السياسي داخل كل مكون طائفي، مقصود ببناء مواد الدستور ومبادئه الخاصة بتوزيع الأدوار والمواقع وما يترتب عليها من نفوذ وصلاحيات في الدولة. وهذا ما ينعكس اليوم في الصراعات الخفية داخل المكونات الطائفية المتنفذة في العملية السياسية وفي هرم السلطة السياسية، للالتفاف على صلاحيات رئيس الوزراء الدستورية "حمالة الأوجه" والبحث عن مخارج وتسويات لها، تمكّنها من تقاسم النفوذ وسلطة القرار وما يترتب عليها من مواقع مقررة ومصالح وترضيات.   إن تمركز السلطة في ظل هذه الأوضاع، في شخص واحد، بغض النظر عن مواصفات هذا الشخص وقدراته وخبرته السياسية ونزعاته الإنسانية، يشكل خطراً بحد ذاته على سلامة استكمال بناء الدولة الديمقراطية ونهجها، وإرسائها على قاعدة مؤسساتية وطيدة. وهي تخلق "موضوعياً"، وبمعزل عن إرادة من يتبوأ هذا الموقع المقرر الخطير، أرضية للانفراد والهيمنة واحتكار السلطة، ودون إرادة منه يقاوم أو يضعف النزوع نحو خلق بنى مؤسساتية مستقلة. ويتفاقم الخطر في الحد من استقلالية السلطات، غياب حياة برلمانية طبيعية ورسوخ تقاليدها وتركز سلطة الرقابة البرلمانية في قيادات الكتل ، وتهميش دور أعضاء البرلمان ووجهات نظرهم وتقديراتهم، لتتحول إلى مجرد إضافة شكلية لا تأثير لها. وتأتي في هذا السياق الفرص المتوفرة للقضاء العراقي ليقوم بدوره المستقل، ولينهض بمسؤولياته في البت في قضايا المواطنين بعيداً عن تدخلات مراكز النفوذ ، وتقاطع المصالح والخوف من التهديدات المبطنة لمراكز القوى، ولبقايا المليشيات، والأخطر في ذلك كله الضلوع في عمليات الفساد والإفساد وتمكين تسلل شبكاته في نسيج أجهزته والتستر على الفساد السياسي والتواطؤ معه.إن شكاوى ومظاهر غير قليلة بات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دولة القانون ينفي السعي لتشكيل حلف مع إيران وروسيا

دولة القانون ينفي السعي لتشكيل حلف مع إيران وروسيا

 بغداد/ وائل نعمة فيما ينتظر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد عودة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي من موسكو لزيارة بغداد، ينفي ائتلاف دولة القانون أن تكون زيارة المالكي إلى العاصمة الروسية والزيارة المرتقبة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram