علي حسن الفواز(1-2)ما يحدث في البحرين والسعودية من حراك شعبي يكشف عن أن آخر قلاع النظام العربي القديم ليست بعيدة عمّا يجري، وإنها باتت مهددة بالتغيير، وان التحصّن بالهويات العميقة/الهويات المذهبية لن تقف حائلاً دون حدوث هذا التغيير الذي يمكن ان يمسّ جوهر النظام السياسي التقليدي، وبنية الدولة التي تحولت مصدراً لإنتاج الرعب، إذ أن هيمنتها على الثـروة الطائلة من النفط وعلى مصادر القوة الأمنية وشهوة التسليح يعني أنها أضحت بؤرة خطيرة لمنع نشوء الديمقراطيات والنظم الدستورية والحريات والحقوق التي تحولت عدواها الى شعارات يومية لكل الانتفاضات الشعبية التي تجتاح أغلب الدول العربية.
الهروب الى الهوية العميقة، والتحصّن بأوهامها لم يعد حلا حمائيا لمواجهة تداعيات انهيار البنية الهرمة للدولة التقليدية، مثلما ان هذا الهروب لم يعد سببا لاستجلاب الاتباع على وفق التوصيف الستراتيجي لخلق جبهات مع اعداء افتراضيين من أصحاب الهويات النقيضة، لان مفهوم الهوية بات امام تفاعلات واستحقاقات جديدة يفرضها السياق التاريخي الجديد، وبات جزءا من وعي تاريخي للانتماء الجمعي للدولة العادلة، الدولة التي تتبنى نظاما حقوقيا يقوم على شروط النظام الدستوري والعدالة والمواطنة والسلم الاهلي والديمقراطية والمؤسسات.من هنا نجد ان الاحداث الامنية المروعة في البحرين والسعودية تكشف عن الكثير من المفارقات، إذ ان التشكلات المتضادة المقموعة في مثل هذه الدول، بدأت بالبروز، وبدأت مظاهرها بالتعبير عن نفسها تحت ضغط التفكك التاريخي الذي حدث جرّاء انهيار البنية القديمة لدولة الهوية الوحيدة العميقة في لاوعيها الجمعي الراكز، وتحوّل الصراع في أوساطها المدنية والسياسية الى صراع مسلح واسع النطاق، والذي استدعى تدخلا خارجيا من قوى معينة وتحت واجهات ومبررات غير قانونية وغير أخلاقية، ومرفوضة من المجتمع الدولي كما هوحادث في البحرين للإيهام الظاهر بحفظ النظام العام، وتنفيذا لاتفاقية درع الجزيرة التي لم تكن حاضرة في الكثير من المواجهات والصراعات التي تفترض وجوب تنفيذ مثل هذه الاتفاقيات التي تعني بمواجهة تهديدات خارجية، كما حدث في الغزو العراقي للكويت، والحديث الطويل عن احتلال الجزر الإماراتية الثلاث من قبل إيران. هذا التبرير للتدخل الخارجي للقوات السعودية والإماراتية حصراً هو تبرير إعلامي وأمني لوجه آخر لهذا لمحمول هذا التدخل، اذ هو سلوك لا نشمّ منه إلاّ الرائحة الطائفية المقيتة، أي رائحة الهوية العميقة، مثلما هو موقف سياسي وأمني لحفظ السلطة السياسية للملك ولنمط الهوية التي تحكم هذه السلطة، فضلا عن كونه سلوكا صيانيا لبنية النظام السياسي التقليدي الذي فقد القدرة على التغيير والتناغم مع الحراك الديمقراطي والحقوقي الذي بدأت عاصفته مع الثورة التونسية والمصرية ومازال يواصل انتاج مظاهره الاجتماعية والسياسية والثقافية. الحديث عن مفهوم الهوية العميقة تحول الى مفهوم إشكالي، باعث على القلق في بيئة زاخرة بالصراعات، إذ تحول من سياقه الإنساني الذي تشكل الهوية واحدا من مكوناته الى مجال صراعي باعث على الكثير من التقاطعات، ليس بدافع الدفاع عن هذه الهوية، بل بدافع تكريسها قوتها الغرائبية القهرية على الآخرين الذين يملكون هوياتهم الخاصة، والذين عانوا من عقد ورعب موت هذه الهويات تحت قمع الدولة والثروة والمصالح. صعود نجم الثورات الاجتماعية في الدول والمجتمعات، يعني تفكك القشرة الغليظة للنظام السسيوسياسي القديم، وبداية عصر المجتمعات الحرة، والدول الدستورية، وهذا الحضور المفرط في إثارته وجدله، وحيازته مصادر وبواعث القوة الداخلية، يعني تجاوزه أيضاً لما نسميه بـ (الجدار العازل) الذي كان يضع الكثير من الجماعات الإثنية والثقافية والقومية والدينية خلف أنساقه المغلقة، لتعيش أشكال وجودها التعويضية اللغوية والدينية والطائفية والقومية وحتى الطقوسية بنوع من التماهي الداخلي خوفا من شرورالانثربولوجيا القامعة. هذا الجدار بكل تعقيداته وقدمه تحول الى سبب طاغ ومؤثر في صناعة الكثير من البواعث الدافعة للازمات والحروب والصراعات، والتي انعكست على طبائع العلاقات السياسية والوجودية للدول والجماعات، وبكل ماأثارته وتثيره من جدل حول الادوار والحقوق والعلاقات، وعلى مستوى الخنادق التي اصطنعت لها تحت هذه الموجهات خطوطا دفاعية وأخرى هجومية اختلط فيها اللغوي مع السياسي والتاريخي مع الطائفي، والثقافي مع الديني، وربما امتد الى سلسلة طويلة من الثنائيات المضللة. ولم يكتف هذا الامتداد عند حدود الواقع العياني، بل الى استنبات صراعات داخلية انكشفت فيها المستويات العميقة والمهملة، لكنها في الجوهر الاكثر تمثلا لاصطراع الهويات الثانوية، خاصة تلك الهويات التي تحولت الى هويات(قاتلة) اذ حملت خلال ازمات التاريخ السياسي للدولة العربية/الإسلامية الكثير من أوهام التسلط والاستبداد والإقصاء والتهميش.ولعل أخطر هذه الانكشافات هو اشتباك هذه الهويات مع أزمة السلطة والحاكمية، وتحديد مصائر الآخرين إزاءها، اذ بدت هذه الازمة كـأنها قرينة بالعقدة الأخلاقية التي تدعو الى إنتاج الدولة العادلة، الدولة الجامعة، والتي ينبغي ان تضع الهويات جميعا في سياق اخلاقي للعدالة الاجتماعية كمفاهيم حقوقية وكنظم وقوانين وإجراءات، بعيداً عن إعادة إنتاج ظاهرة(القاتل والمقتول) العالقة في ذاكرة مثيولوجيا الدولة العصابية، ولعل بروز هذا الصراع في البحرين الآن هو مثال لأزمة وتعقيدات إنتاج الدولة العادلة، مقابل تماهي الرعب في الإبقاء
ما يحدث فـي الجوار الخليجي..الهويات العميقة وصناعة الحروب المفتوحة
نشر في: 18 مارس, 2011: 04:48 م