ياسين طه حافظ بالرغم من أننا جميعاً كنا نتطلع الى زمن نظيف تُنحّى فيه الدكتاتورية ويقوم نظام مدني يتصف بمزايا الأنظمة المدنية الحديثة فنعيش في هذا البلد كما يعيش الناس في البلدان التي رأيناها او قرأنا عنها...، أقول بالرغم من تطلعنا جميعاً إلى ذلك، لم تكن قناعتنا جميعاً مكتملة بما جاء بعد التغيير. لا لأن امريكا هي التي قادت الفعل وأنجزته، وإن كان هذا سبب رئيس، ولكن أساس عدم القناعة هو هذه التباينات الفكرية والتحضرية بين الكتل والشخصيات التي تولت زمام الأمور أو التي "ورثت" السلطة.
وأنا شخصياً ما اقتنعت يوما ان اختلافات كهذه، يمكن ان تقيم الديمقراطية. ما كنت متشائماً في هذا قدر ما كنت متأملاً. لقد صرنا امام توجهات و "خلفيات" مختلفة، بعضها متناقضة شديدة التناقض. فهي دينية متفاوتة الرؤى، وليبرالية بريئة ومنتفعة واخرى محترفه لعوب، ومناضلة معروف تاريخها وأخرى لا ندري موقعها وهويتها.وهكذا تجمّع لا يرسّخ ثقةً ولا يجعل إنساناً، يظنّ نفسه يفهم ويرى، يقتنع بأن ديمقراطية سليمة وصحيحة سوف تتحقق على أيدي خليط كهذا، حتى إذا توفرت النوايا الوطنية. أذكر مرة، وأُذكِّرُ مَنْ استشهد به، إنني كنت في مقهى الشابندر ، بعد تغيير النظام، وجاءني الأستاذ فاضل ثامر و"فاتحني" في مسألة الترشيح ضمن قائمة لاتحاد الأدباء والكتّاب. وافقت في حينه، ولكنني بعد ايام قلت لصديقي "ثامر"، أرجو رفع اسمي! وحينها استغرب: لماذا؟ هذه قائمة تقدمية ...الخ؟ .كان جوابي: قناعتي بأن الأمور لن تسير كما تتصور وإن إرباكاً واضحاً في الطريق.... الخ.على اية حال، أتمنى التوفيق لمن واصلوا العمل وتولوا إدارة الاتحاد، لكني تأكدت اليوم أكثر من أي وقت آخر بأنني كنت على صواب وفيما نراه في بلدنا اليوم جواب كاف.بقيت تلك القناعة تلازمني لما هو أبعد من المنظمات وأكثر خطورة. بل، وأعتذر لكم، ان الحال كشفت لي عن خيبة اكبر وأنا أرى الوزراء، تنوّعَهم واختلاف مستوياتهم السياسية والمهنية. وأرى البرلمان وما فيه من خلطة عارفين "البسطاء" وحكماء وأدعياء ومخلصين تضيع أصواتهم في الضجيج وأرى الدولة وما في مؤسساتها والشارع الذي لا يدري كيف تنتهي الأمور.مع ذلك كله، فأنا حتى الآن ما توقعت أن يعود الاستغلال والفساد ولا ان تصل الأمور حد ازدواجية المواقف والتضليل وإضمار العداء وتحيين الفرص للانقضاض على خصوم تُغَطّى العلاقات معهم بالود وبلافتة العمل الوطني المشترك. كما لم يصل بي سوء الظن حد جهر بعضهم باتهام من يرفع الصوت ضد الخطأ، بل بمعاداته والتشكيك بنواياه.. فقد كان توقعي ان تظل الامور، لفترة اطول، بين الوعد بالديمقراطية والوصول اليها، بين الدعوة لبناء الوطن والتنافس والمراوغات على السلطة، وطبعا دون معاداة حادة وواسعة لقوى الاحتلال، فقد كانت الصفقة بدءاً كذلك أو أن لكل أمرٍ حيناً..بعد دورة برلمانية ثانية، بعد بدء وزارة ثالثة، ترسخت بعض الكتل وألِفَتْ الحكم وألفت مشاكل الناس، كما ألفت اللجان والارقام.. صار حذري، بعد هذا الرسوخ والاعتياد على الحكم والنفوذ، من ان تظل الأمور كما هي في مستوى الوفاق العام تراوح فيه ولا تتقدم أكثر. وهذه خسارة أولى! كما صرت على شبه يقين أنّ التفافاً ما وتنصلاً ما ومداراة ما...، قد تنتهي بكشف المضمر وتصبح الخصومة علناً وقد تتحول احتراباً بعد أن كان يغطيها استحياء شفيف. فما نلاحظه اليوم في مجلس النواب يكشف عن كثير من ذلك وان كان ما يزال ضمن الحدود الدنيا من الادب الدبلوماسي. نعم، قد لا ترفع هذه الكتلة، أو تلك، شعاراً ولكنها رغبة دفينة متوارثة، يمكن ان نتحسس نموها من عبارات في الخطاب ومن إشارة هنا وهناك.يوماً سمعت مسؤولاً في الدولة يخاطب جمهوراً، فوردت على لسانه عبارة: "تتذكرون في زمن المد الاحمر"... طبعا هذا كلام يشي بنوع الفهم السياسي وتوجهه وان ليس وراءه أي مودة مما يقتضيها العمل الوطني المشترك او الرفقة النضالية فمثلما هي اشارة الى زمن، هي إشارة إلى موقف من وشعور ما يزال مُدَّخراً ..إذن، نحن وبعد سبع سنين كاملة، لم نستطع ان نحدث تغييراً، لا في نظرتنا لموجبات المرحلة ولا في مواقفنا من الفكر المختلف. وما يؤجل الاحتكاك هو فقط انشغالنا بـ"الاجتياز". فلا مفاجأة بعد في أي موقف يلغي التآلف الوطني والاحترام السياسي بين "الشركاء" ساعة يحتدم الخلاف او نرى ما يسوؤنا من هذا الطرف او ذاك.والأمر الذي حملته "قوات مسلحة" بإخلاء مقر الحزب الشيوعي العراقي ومقر صحيفة "طريق الشعب.." هو من تلك المواقف التي لا مفاجأة فيها، فمهما كانت الاعذار الرسمية ، فان "اللاّودّ" أو اللاّرضا" والموقف القديم والرغبة "المزمنة" بالإزاحة او التغييب، او الاستهانة بالطرف الآخر، من منطق القوة، بعض مما كان "مؤجلاً إلى ان تحين ساعته"...ليس كلّ الناس صبية لتنطلي عليهم البيانات الرسمية. ربما، كما جاء على لسان بعضهم، كان إجراء متعجلاً أو "متسرّعاً" لكن هذا تماماً هو ما أشرنا إليه في عبارة "الى ان تحين ساعته..." فالساعة لم تحن ولما يهدأ الماء المُزْبِدُ بعد لإعلان كل شيء.وأنا هنا لا أريد أبداً حصر كلامي في قضية إخلاء مقر حزب من الأحزاب الوطنية او مقر كتلة من الكتل. فامور كهذه يمكن ان تظهر لس
البوصلة
نشر في: 18 مارس, 2011: 06:02 م