اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العلمانية

العلمانية

نشر في: 21 مارس, 2011: 05:04 م

(الجزء الرابع عشر)غي هارشير ترجمة: رشا الصباغ سعياً لوعي ينفتح على مديات تنويرية هي من مستلزمات البناء الديمقراطي الجديد، وتحصيلاً لفائدة الاطلاع على تجارب العالم في الارتقاء بالانسان وحقوقه، تعيد آراء وأفكار  نشر كتاب العلمانية، على حلقات، للكاتب غي هارشير وبترجمة رشا الصباغ.
IV- الفصل بين الحقّ والخير: هذا هو السبب الذي يدعو إلى اعتبار التفكير في الأسس الفلسفيّة للنموذج العلمانيّ ضرورة لا محيص عنها اليوم. لقد انقضى أكثر من ثلاثين عاماً على نشر الفيلسوف الأميركي جون رولز Rawls  كتابه نظريّة في العدالة الذي حاز سريعاً شهرة واسعة: ما يثير الاهتمام في مؤلَّف رولز، هو قبل كلّ شيء عزمٌ على تحديد مبادئ العدالة التي ينبغي أن تكون قاعدة لمجتمعاتنا التعدّديّة بصرف النظر عن أيّ تصوّر للخير. فإذا كان على التعدّديّة أن تُقبل كأمر مرتبط جوهريّاً بحريّة الضمير، فالعدالة، الصالحة للجميع، لا يسعها اتّباع تصوّر خاصّ: إذ إنّ فكرة الحقّ هذه ستعتبر بالضرورة عندئذ شرعيّة لدى مناصريها، ولا شرعيّة في نظر الآخرين الذين لن يستطيعوا (إسقاطها) من رؤاهم الخاصة بالنسبة للحياة الصالحة، وسيعيشونها كشيء مفروض عليهم من الخارج- ضمن وضع  تبعيّة. هذه النظريّة في فصل الحقّ عن الخير هي في أصل تصوّر رولز: فهي التي تشكّل قاعدة فكرتيّ الـ (الوضع الأصليّ) و(قناع الجهل)، الرئيسيّتين في كتابه نظريّة في العدالة. لقد أراد رولز في الواقع أن يجدد الروابط مع التراث الفلسفي للعقد الاجتماعيّ، ذاك التراث الذي كان قد هُجر وعلاه غبار الإهمال: فالمبادئ الشرعيّة التي يتمّ على أساسها تنظيم مجتمع وتحديد قواعد الخير العامّ التي ينبغي أن تحكمه يجب أن تعتمد على رضى وقبول الشعب بأجمعه (laos) لا فئة منه. ولكن كيف السبيل إلى إيجاد هذه المبادئ إذا كان لدى كلّ فرد - وهذا أمر مشروع - ميلٌ إلى جرّ النار إلى قرصه وإلى تعريف العدالة انطلاقاً من نظرته الخاصّة الشاملة للخير؟ من أجل الوصول إلى إجماع، ينبغي أن نتصرف وكأنّنا نجهل ما هو تصوّرنا للحياة الصالحة. بعبارة أخرى، ينبغي ألاّ نكترث لذلك. لقد تأثّر رولز آنذاك بنظريّات اللعبة: فخلال اللعبة، نتصرف و(كأنّنا) قد نسينا عناصر معيّنة في الحياة (الجديّة)، نتصرف كشركاء وخصوم- بإيجاز، نلعب أدواراً قد حدّدتها القواعد سلفاً. يفترض إتقان اللعب مقدرتَنا على البقاء على مسافة ممّا نحن عليه، أي على مسافة من القيم والالتزامات التي نحن (غرقى) في لجّتها قبل كلّ شيء. إنّ مرجع نظريّة اللعبة game theory  إذن أقلُّ تفاهة بكثير مما يبدو للوهلة الأولى: فنحن ندرك، في مستهلّ القرن الحادي والعشرين هذا، كم هي مكلفة، في مصطلحات الحريّة والعلمانيّة وحقوق الإنسان، أوهامُ وخيالاتُ التماهي الكلّي للفرد مع طائفته ومع إيمانه؛ لقد كان سارتر يسمّي ذلك (روح الجِدّ). إنّها تلك العقليّة التي تجعل سخرية سلمان رشدي ومسافته، ونقده- باختصار (لعبته)-  بغيضة لا تحتمل. مصدر آخر لنظريّة رولز يشكّله الإجراء: فهذا المفهوم الأخير يفرض علينا ضمناً احترام بعض القواعد وأشكال الإرغام في سبيل الوصول إلى نتيجة (كي نحصل عليها لا يمكننا فعل كلّ شيء أو قول كلّ شيء - في الإجراءات الجنائيّة، على سبيل المثال، تحمي القواعد المشبوهة وتسهّل إحقاق الحقيقة). يشكّل الوضع الأصليّ لرولز فرضيّةً أو خيالاً- (لعبةً) إذا شئنا، أو إجراءً متبنّى بحريّة- نقرّر بموجبه ألاّ نعبأ بتصوّرات الخير التي تفصلنا عن بعضنا البعض بطريقة مشروعة، ولكنّها تمنعنا، بتعدّديتها ذاتها، من الوصول إلى تصوّر مشترك للعدالة يكون أكثر من تسوية، أي أكثر من (حلف مقدّس) لتصوّرات الخير. إذا أردنا أن تكون مبادئ العدالة موضع قبول وموافقة مبدئيّة لا تسوية من هذا الطراز، يتعيّن علينا، في هذا الوضع (الأصليّ) (نقطة البدء التي اخترنا الانطلاق منها، (اللعبة) التي قرّرنا أن نلعبها)، أن نضع تصوّراتنا للخير خلف قناع من الجهل. بدون الدخول في تفاصيل كتاب نظريّة في العدالة ذاك الذي أعاد رولز مذ ذاك النظرَ في العديد من نقاطه، يمكننا القول إن فصل الحقّ عن الخير الذي يشكّل فيه المحور هو النظير الفلسفيّ للعلمانيّة. باستطاعتنا بالطبع أن نرى فيه أساسَ فصل الكنيسة عن الدولة- باختصار، أساسَ تصوّرٍ (فرنسيّ) و(أميركيّ) للعلمانيّة-، ولكن ليس من الضروريّ الذهاب إلى هذا المدى: فدولة تحدّد مبادئها في العمل وطريقة معاملة مواطنيها (أي العدالة) بدون الرجوع إلى تصوّر دينيّ أو روحيّ خاصّ أو ذي امتياز قد تكون وافية بالمطلوب تماماً. بتعبير آخر، إنّ فصل الحقّ عن الخير يشكّل بصورة لا تقبل الجدل شرطاً ضروريّاً للعلمانيّة بالمعنى الواسع للكلمة (وهو بالتأكيد يحظى بنفس التوافق مع تصوّر أكثر صرامة في فصل الدولة عن الكنائس، ولكنه لا يستوجبه). هل يُعتبر هذا الشرط لذلك كافياً؟ يتّضح أن لا، وأن هذا (النقص) يشكّل واحداً من الدوافع الأساسيّة للتعديلات المهمّة التي أُدخلت على نظريّة رولز على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة هذه. إنّ فصل الحقّ عن الخير متضمَّن صراحةً في مصطلحات سلبيّة: فقناع الجهل يشكّل استعارة تجعل فكرة (لا يكترث ل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تغيير جذري في قرعة دوري أبطال أوروبا

النقل العام في العراق.. حل مؤجل لازمة دائمة

بالصور| تشييع جثامين شهداء الحشد الشعبي الذين ارتقوا أثر القصف على شمال بابل

مع الاغلاق.. أسعار الدولار تستقر في بغداد وترتفع باربيل

النزاهـة: كـشف مخالفات بعقـد قيمته (٤,٥) مليارات دينار في كربلاء

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram