الكتاب: كأس شراب الشوكران تأليف: بيتاني هيوز ترجمة:هاجر العاني المشكلة في تأليف سيرة عن سقراط – كما تعترف بيتاني هيوز بشكل مرح - هي انه "موضوع ككعكة دونات".. اي انه موضوع غني ولذيذ ذو ثقب كبير في الوسط، حيث يجب ان تكون الشخصية الرئيسية، وعلى الرغم من شهرته وإصراره على حياة مـُـختــَبـَـرة لم يكتب سقراط أي شيء ومعرفتنا عنه
تأتي بالدرجة الأولى من ثلاثة من معاصريه – تلاميذه المخلصين أفلاطون وزينوفون وأريستوفان المؤلف للمحاكاة الساخرة للأعمال الأدبية – وكل منهم كان لديه أجندته الخاصة به، وهو لم يقدم اجوبة عظيمة بل قدم أسئلة عظيمة فقط والصورة الأكثر ثباتاً لدينا عن حياته هي مغادرته لها كما يوحي عنوان الكتاب. كيف نختبر حياة رجل اخبرنا بأن الحياة غير مـُـختــَبـَـرة لا تستحق العيش؟ هيوز – وهي مضيفة برامج تلفزيونية ومؤرخة محبوبة معروفة بكتابها عن هيلين من طروادة – تفعل ذلك بالتركيز على شكل كعكة الدونات ما حول الثقب، فهي تحدد الخطوط العامة لـسقراط بالدرجة الأولى بوصف المعالم والأصوات والأعراف والحقائق التي أحاطت به. وفي أغلب الأحوال تنجح هيوز وحتى عندما لا تنجح فـإنها تكون آسـِـرة ـ وما نلج فيه في " كأس شراب الشوكران" (نبات يستخرج من ثمره شراب سام)هو الكثير من الكتب المتمازجة وهي: سيرة لسقراط ووصف شجاع للحياة اليومية في أثينا وتاريخ مفعم بالحيوية-ناشط) للحرب البلوبونيزية وعقابيلها و – كشيء بهيج فجائي –دليل للمتاحف ومواقع التنقيب الآثاري ومستودعات نتاجات براعة الإنسان سحيقة القدم فيما تأخذنا هيوز من أيدينا في حين تستكشف بينتها، وفي مرحلة واحدة نرتحل معها الى الجزء الخلفي من متحف أشمولين في أوكسفورد بانكلترا لدراسة قصاصة ورق بردي – الجزء رقم 4807- في مكتبة ساكلير، وهي تضم بعض السطور من الواضح ان سوفوكليس كتبها ملقية الضوء على ربما ما كانت عليه الحياة أبان الحرب البلوبونيزية. وبعزم واجتهاد عظيمين تكون هيوز قادرة على إعادة تجميع صورة حية بشكل مثير للدهشة للنجل المشعـِـر والقذر الهيئة لحجــّـار وقابلة والذي يقضي الشطر الأكبر من وقته في مبنى الألعاب الرياضية ويعقد أحاديث فلسفية في حوانيت الأحذية، وبالضرورة لدى الكتاب الكثير من التفكر بوجود عبارات مثل " توجد كل الإمكانية بأنه أبحر من بيرايوس " و"سقراط بالتأكيد كان قد اشترك في نشاط مطارحات فكرية كهذه"، وقد يغتاظ أنصار الصفائية الأكاديميون من أن هيوز تقوم بمثل هذه الوثبات التخيلية، وبفعلها ذلك تعيننا على تخيل سقراط كجسد من لحم أكثر منه تمثال نصفي من الرخام. وحيث أنه ولد عام 469 ق.م. نشأ سقراط فيما كانت الديمقراطية والفن العظيم يزدهران في أثينا، إلا ان مسيرة 3 أيام على الأقدام باتجاه الجنوب كان يكمن المنافس (دولة)إسبرطه حيث كان أغلب الذكور ممن تتراوح أعمارهم بين 7 و 30 سنة يعيشون في مخيمات عسكرية كانت تعطي مدلولاً لعبارة "الوجود الاسبرطي" وهو: حافي القدمين وبمعطف فضفاض واحد فقط لارتدائه طوال العام حيث كان يتم تدريب الرجال بقسوة على الحرب. وفي أواخر الثلاثينات وفي الأربعينات من عمره قاتل سقراط في الحرب البلوبونيزية، وتصوره هيوز بأنه محارب باسل ولكنه ليس متهوراً فقد كان يتمتع بما يكفي من الحكمة ليكون بين الجنود الاثينيين الذين نجحوا في النجاة من الهزيمة الدموية في ديليون عام 424 ق.م.، ويقاتل سقراط بتصميم في حين ان رفيقه الشاب الوسيم السيبياديس يتفرج ولكنه يقود أيضاً مجموعة من زملائه الجنود الى بر الامان، وكما تشير هيوز "لقد كان رجلاً قوياً بما يكفي للقتال عندما يتحداه الآخرون ولم تكن صعوبات اليوم تربكه وهو موصوف لنا على ان لدينا صفاء غريب عنه"، وهي تلمـِّـح بأن هذا هو الأساس لإحدى أعظم نصائح سقراط وهي: الشجاعة هي القدرة على التمييز بين التهديدات الحقيقية والمحسوسة والقدرة على معرفة ما يجب ان نخشاه وما يجب ان لا نخشاه. وعندما يعود سقراط الى أثينا يتبع حياة غريبة طاوياً الطرقات حافياً وعاقداً حوارات فلسفية ليس في المدارس او في البيوت حيث يدفعون له أجراً وإنما في مواقع مثل حانوت صانع أحذية اسمه سيمون، وبالتالي يستحدث المنهج السقراطي بالإضافة الى ايقاظ الشكوك بين مواطني أثينا بأنه مفسد للشباب. ولا تقدم هيوز دراسة فلسفية منهجية عن فلسفة سقراط ولا تتعامل كثيراً مع المعضلة السقراطية الشهيرة في كيفية تمييز سقراط الحقيقي من الصورة التي وضعها افلاطون له، غير أنها تربط بالفعل الفلسفة بحقائق حياته بقدر ما نعلمها، ولأن والدته أصبحت قابلة تأخذنا هيوز الى متحف الآثار الوطني في أثينا للتنقيب في خزانة تضم صوراً وسجلات اجتماعية وأغراضاً خام تتعلق بالولادة في يونان الكلاسيكية، وبعض قطع الطين النضيج " تذكرنا بأنه كم ان الولادة هي عمل قوي وفوضوي في الحقيقة"، وهذا أمر هام لأن القبالة تشكل الاستعارة الكبيرة التي يستخدمها سقراط لتفسير منهجه في استخلاص الحقيقة من خلال طرح الأسئلة على الآخرين اكثر من إنجابه للحقيقة بنفسه، وكما يحمله افلاطون على القول:" أنا أشبه بالق
سقراط واثينا والبحث عن الحياة
نشر في: 21 مارس, 2011: 07:22 م