اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > إنهم يغيرون مجرى الهواء:رجل الفضائية الذي غادر الشرفة

إنهم يغيرون مجرى الهواء:رجل الفضائية الذي غادر الشرفة

نشر في: 22 مارس, 2011: 05:27 م

عواد ناصرهو نفسه.. رجل الشرفة = رجل الفضائية. ترجل من غيمته العليا فدخل فضاء الناس من خلال الفضائية.نعم، ربما هما رجلان مختلفان، من حيث تفصيلات الهيئة واللحية والخواتم وسائر إكسسوارات المرحلة. لكنهما واحد من حيث الفكرة والوظيفة والهدف: التدخل الضروري
لتأطير المشهد مرتين: مرة في ساحة التحرير، والثانية في ستوديوهات الفضائية العراقية.هي وظيفة شاقة: التحكم في الهواء.. هواء التظاهرات في الساحة العامة، وهواء البث الفضائي لقناة تعبر عن وجهة نظر العامة (وفق قانونها حين تأسيسها) وممولة من مال العامة أيضاً.كان المذيع، أعرفه شخصياً، على غاية – مع شيء من الحزن – وهو يرى رجل الفضائية بكامل عدته الآيديولوجية القديمة، مثل ما دخل صدام حسين يوماً، في سبعينات القرن الماضي، إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون في الصالحية، زائراً مفاجئاً، ليعقد اجتماعاً على عجل – فلا وقت كافياً لشخص مثله – ثم بدأ بتوجيه أوامره إلى الحاضرين:- قدم نفسك!- أنا يا رفيق....قاطعه صدام غاضباً: وهل أنا معك في الخلية الحزبية؟- عفواً، قصدي أبو عدي......قاطعه الزائر المفاجئ: ولا أبو عدي، فلسنا في جلسة عائلية.- قصدي...ولم يجد ذاك الموظف المسكين ما يقوله ليرضي هذا الشخص المهم جداً الذي لا يعرف وظيفته وكيف يخاطبه.- قل: سيادة النائب.حتى (سيادة النائب) كان أوضح من رجل الفضائية الذي أوشك أن يختطف المايكروفون والعدسة والضوء ليتولى نقل المشهد كما يعجبه.أما أحمد حسن البكر، رئيس الجمهورية في حينه، فكان يرفع الهاتف ليتصل بمدير التلفزيون طالباً تغيير البرنامج: حطوا لنا أبو جيشي مطلك الفرحان.هذا، أيضاً، رجل واضح: هو في لحظة مزاج شخصية تستدعي سماع مطربها المفضل، لأن كل شيء طوع بنانه، فهو رئيس الجمهورية، وما التلفزيون سوى واحدة من الألعاب المسلية التي تلعب بها الحكومة.المذيع في الفضائية العراقية لم يجد سوى منسق البرامج الذي يقف في ركن الأستوديو ليثبت له شكواه من رجل غريب، ربما لم يره سابقاً على هذه الصورة الثقيلة الوطء.. صحيح أنه رآه في لقاء تلفزيوني أو اجتماع رسمي، لكنه لا يعرفه. كل الذي يعرفه المذيع الشاب – الذي أعرفه شخصياً - هو أن ثمة رجلاً اقتحم الأستوديو محتلاً، بلحيته وخواتمه وسلاحه ليغير مجرى الهواء.كان صديقي الشاعر يفضل أن يستخدم عبارة "وزارة الإعلان" بدلاً من "وزارة الإعلام" والفرق كبير كما ترون.تاريخ الإعلام العراقي هو تاريخ الحكومة في لحظة الإعلان عن نفسها على مدار الساعة.اجتماعات الحكومة وخطب رئيس الجمهورية وأقوال الأب القائد و "إنجازات" حكومة الثورة ووزاراتها ومؤسساتها ومنظماتها النسائية والطلابية والعمالية.أخبرني الراحل عامر عبدالله بأن أحمد حسن البكر سأله مرة وهو يشاهد "من أقوال الأب القائد" على الشاشة الصغيرة أمامهما: متى قلت هذا؟أما تلك الفتاة التي تحار بيديها وهي تواجه الكاميرا، ثم تتورط بقراءة أبيات من الشعر (الشعبي طبعاً) بطريقة مضحكة لفرط الأخطاء، تلك الفتاة انزوت في لحظة ارتباك ملحوظ (كانت تطقطق أصابع يديها) وهي ترى رجل الفضائية الدخيل يحتل غرفة التحرير ليعمل محرراً للأخبار بالإضافة إلى وظيفته.بالمناسبة، لم تكن الفضائية المصرية على تلك الدرجة من الالتزام بتوجيهات صفوت الشريف في نقل وقائع وأحداث انتفاضة الشباب المصري في ميدان التحرير. كانت فضائية مضطربة لا أكثر، حتى أن مذيعات الأخبار ومقدمات البرامج الحوارية كن على غاية الذعر، فمبنى التلفزيون في ماسبيرو، كان محاصراً بالمنتفضين، ولا شك في أن أكثرهن كن في غاية القلق لأنهن لا يعرفن هل سيتاح لهن العودة إلى أسرهن وسط الاضطراب العظيم؟.رجل الفضائية العراقية، محتل غير مرغوب به، أدركته غريزة رجل الحكومة، وهو عضو مجلس النواب (!) لينتدب نفسه محرراً في غرفة الأخبار والبرامج، ورقيباً يبيح ويمنع ما يراه لأنه الرجل الأكثر وطنية والأكثر حرصاً على الأمن والأكثر كفاءة في إدارة مرفق إعلامي = (إعلاني) من دون العراقيين جميعاً في المنطقة الخضراء وساحة التحرير وسائر ساحات الوطن وشوارعه الغاضبة.رجل الفضائية هو رجل الشرفة نفسه وقد ترجل من (فوق) المتظاهرين ليدخل هذه المرة في هوائهم الذي يتنفسونه ويسد عليهم بيوتهم وغرف جلوسهم ونومهم، بالأكاذيب.ليس مستغرباً أن تكون الفضائية العراقية على هذا المستوى الركيك من الأداء، فما أن يحتل السياسي مكان غيره، حتى تكون المهنية الإعلامية خارج غرفة التحرير والبث لأن رجل السياسة يحتل مكاناً ليس مكانه.كان إعلام صدام حسين هو إعلام الأمن والمخابرات، إذ تداخلت المهمات وصار رجل الإعلام بملابسه الزيتونية المذيع رقم واحد (من يتذكر محمد سعيد الصحاف أو من ينساه؟)  ففي بداية حياة الصحاف الإعلامية كان يتنقل، مثل البندول، بين قصر النهاية ومبنى التلفزيون وهو يقدم الخونة والجواسيس وعملاء الاستعمار والصهيونية والرجعية على شاشة تلفزيون بغداد، إثر انقلاب تموز 1968.ينفي رجل الفضائية، اليوم، التهمة عن نفسه، فهو شخص مدني، عضو برلمان، ومن حقه أن "يزور" لا أن "يحتل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram